تحيّة الضحى: الإفساد في الأرض

إن هذه الأرض قد أصلحها الله تعالى أتم الإصلاح برحمته ونعمته، وفضله على خلقه، حين أراد بهم رشداً، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه متضمنة من البينات والهدى ما تكفل لهم به سبحانه من أسباب السعادة في العاجلة والآجلة، وعداً منه حقاً، لا يتخلف ولا يتبدل

فصلحت بذلك هذه الأرض صلاحاً هو غاية الصلاح وأكمله وأنفعه وأبقاه، بل لا صلاح في الحقيقة إلا هذا الصلاح التام الشامل الذي جاء به هذا الدين في كل شرعة من شرائعه. ولا عجب أن كان الإفساد في الأرض بعد إصلاحها من أعظم الإفساد وأقبحه، وأشده إيغالاً في الشر وإمعاناً في النكر. وإن للإفساد في الأرض صوراً كثيرة وألواناً عديدة لا تكاد تقع تحت الحصر، ألا وإن أعظم هذا الإفساد الشرك بالله عز وجل الشرك بالله عز وجل بصرف العبادة إلى غيره، وهو ظلم عظيم كما قال سبحانه في وصية لقمان لابنه يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13. وإنه لظلم عظيم يظلم به المرء نفسه أشد الظلم، ويغبنها أعظم الغبن، إذ يسوي الخالق القادر الرازق المدبر المحيي المميت، المتفرد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بالمخلوق العاجز الفاني، ولذا كان مثل من أشرك بالله كمثل من هوى من القمة الشاهقة العالية إلى أسفل دركات الحضيض، كما قال سبحانه وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ الحج:31 فأي فساد في الأرض أعظم من فساد من يدعو مع الله أحداً لا

يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً ولا نشوراً، أو أن يشبه الله الخالق العظيم بالمخلوق الضعيف، فالأنسان المحتاج للمكان والطعام والحياة لا يشبه بالرب الخالق الغني عن كل المخلوقات. ومن ألوان الفساد في الأرض وصوره أيضاً التردي في ردهة الخطايا، والتلوث بأرجاسها في مختلف ألوانها، ومن أعظمها تلك الكبائر الموبقات المهلكات التي توعد الله من اقترف منها شيئاً بأليم عقابه، وعظيم نكاله، وبينها رسول الله في الصحيح الثابت من سننه، ومنها السحر، وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، ومعاقرة الخمر، وتعاطي المخدرات، والسرقة، وقطيعة الرحم، وغير ذلك من الموبقات التي يوبق بها المرء نفسه، فتنتقص من إيمانه، ويغدو باقترافها مطية طيعة للشيطان يسوقها إلى حيث شاء من سبل الشرور ومسالك الغواية ويطمس بصره عن البينات، ويعمي بصيرته عن الهدى، ويزين له عمله، ويمد له في غيه، ويحسّن له عوجه، حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن، فيحسب أن ما هو عليه من الإفساد في الأرض هو الصلاح حقاً بلا ريب، شأن أهل النفاق الذين أخبر سبحانه عن حالهم بقوله وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِن لاَّ يَشْعُرُونَ البقرة:11-12.

ومن صور الفساد في الأرض ما يفعله الظلمة اليوم في الأرض من عدوان سافرٍ، وبغي مخضع تبدو جلياً في هذا القتل والهدم ....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115