ولتقدير مدى عظمة رحمته بالمسلمين يكفي أن نذكر أن الذي شهد له بعِظم هذه الرحمة ليس مَنْ عاصره أو من سمع عنه فقط، بل شهد بها رب العزة تبارك وتعالى، وجعل هذه الشهادة محفوظة في القرآن الكريم، يتذكرها المسلمون دومًا كُلَّما قرؤوا الكتاب العظيم، وذلك إلى يوم الدين..
قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ
فانظر إلى شهادة رب العالمين له، وقد أتى بالكلمات المختلفة، والتعابير المتعددة التي تثبت رحمته صلى الله عليه وسلم ، ولو اكتفى بواحدة لكان المعنى واضحًا في أذهاننا، ولكن لترسيخ المعنى وتأكيده..
وهذه الرحمة قد بلغت درجة متناهية حتى ذكر الله عز وجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم..بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا المعنى تصريحًا، وحمَّل نفسه أعباء ضخمة نتيجة هذا الأمر، وذلك عندما قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
فرحمة الرسول صلى الله عليه وسلم هنا واسعة، وواسعة جدًا، فهو يعلن بوضوح أن ما تركه المسلم من ميراث وثروة فهو لورثته، أما إن كان مَدِينًا أو له عيال، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتحمل دَيْنه، ويتحمل تربية عياله
وفي هذا رحمة غير مسبوقة، ولا يماثلها أو يقترب منها رحمة في العالم.. فهو لا يصيب من خير المؤمنين، ولكن يتحمل مشاكلهم وهمومهم وتبعاتهم.. أيّ الناس يتحمَّل مثل هذا؟
إنها الرحمة المتجردة تمامًا عن أي هوى، والتي ليس من ورائها نفعٌ دنيوي، ولا هدف شخصي..ِ