نهض من سباته وانطلق في عملية تمثيلية مختلفة، فنان كلما مثّل تماهى مع شخصياته وانسجم مع معانيها النفسية والدرامية وحمل المتفرج الى دواخل الشخصية وسبر اغوارها، منير العماري ممثل تونسي صنع نجاحه في التمثيل باجتهاده ورغبته الدائمة في نحت ذاته الابداعية، منير العماري يرفع علم تونس عاليا ويفوز بجائزة افضل ممثل عن دوره في مونودرام «هارب من الدولة الاسلامية» اخراج وليد الدغسني.
نص موغل في السوداوية وشخصيات مركبة ومعقدة اتقنها العماري امام جمهور مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، واستطاع الممثل افتكاك جائزة افضل ممثل تتويجا لإتقانه لأدواره وإيمانه بنجاحه كممثل وصانع للعبة المسرحية.
منير العماري استاذ وممثل، فنان سبر اغوار الشخصية واستطاع تفكيك شيفرات اصعب النصوص، في مونودرام «هارب من الدولة الاسلامية» عن نص اصلي «كنت في الرقة» للهادي يحمد، يجسد الممثل اكثر من شخصية، ينتقل بسلاسة بين شخصيات «الداعشي» و»المحقق»، مراوحة بين الالم والامل، اتقان للتفاصيل وقدرة على حياكة الجزئيات ونقل صادق لهواجس الشخصيات التي كتبها يحمد في نصه الاول.
شخصيات حقيقية قابلها الكاتب، ثم حولها الى الورق لتصل قصصها الى اكبر عدد من القراء، فحولها إلى قراءة بصرية ثالثة قادها وعي منير العماري وجسده ليحولها الى خشبة المسرح ويحقق بشخصياته نجاحه امام جمهور الفن الرابع في اطار ايمان الفنان بضرورة مشاركة المبدع في صياغة التحولات المجتمعية والسياسية انطلاقا من الفن، فللمبدع دور حساس في مجتمعه، كما أن الوعي الفني مطية للنقد الدعوة للتغير حسب تعبير العماري.
منير العماري الفائز بجائزة افضل ممثل في موندرام «هارب من الدولة الاسلامية» والجائزة ليست الاولى لممثل خبر الركح وأتعبه كثيرا، ممثل يحفظ الخشبة ويعرف المها جيدا، ممثل انقذه المسرح من المرض، ممثل صعد في اعمال سابقة على كرسي متحرّك بعد ان خانه الجسد، لكن تلك الروح التواقة الى الحياة والنجاة تمكنت من الوقوف من جديد امام الجمهور وعاد الجسد لحركته ونشاطته وأبدع في شخصيات متباينة في موندرامه الاخير، فالمسرح بلسم فنان زاده الاول للحياة هو المسرح.
منير العماري فنان اختار المسرح مهنة وحياة، انطلقت تجربته الابداعية منذ التسعينات تحديدا من مدينة «طوزة» من ولاية المنستير، ثم نشط في الجمعيات المسرحية الهاوية بالمنستير وسوسة والمهدية، قبل دخوله للمعهد العالي للفن المسرحي عام 2006 وهناك بدات التجربة في الكتابة والاخراج وانطلقت التجربة المهنية المحترفة لفنان شغف بالركح، وقد تنقل العماري بين مسرح الطفل والعرائس ومسرح الكهول «وأعتقد بأنني كنت ممثلا شغوفا بالتجربة والتنوع بعد الثورة توحدت تجربتي المسرحية مع فريق كلندستينو مع وليد الدغسني وأماني بللعج و مكرم السنهورى و سهير اللحياني و العديد من الممثلين الذين تركوا أثرهم الطيب في ذاتي الحالمة بمسرح صادق و راق ، و لا أنسي اشتغالي مع العديد من الشركات الخاصة والمؤسسات الثقافية العمومية و خاصة المركز الوطني لفن العرائس .أو التجربة العلاجية باعتماد المسرح في مراكز الدفاع والادماج الاجتماعي للاطفال المهددين بالانحراف او تجربتي مع الاطفال ذوى الاعاقة و الاضطرابات النفسية والسلوكية منذ سنة 2008 الى اليوم» كما صرّح للمغرب في حوار سابق.
المسرح مسؤولية، وممارسته يشبه الفعل الحياتي المقدس لدى منير العماري، فنان متلوّن على الركح، له القدرة على تجسيد اصعب الشخصيات، نجح في اعمال «انفلات» و»التفاف» و»دون كيشوت» و»الماكينة» و»وشياطين اخرى» فنان يصنع من المه قوة وكلما ضاقت السبل خلق ابواب نجاح جديدة.