في افتتاح مذهل، لعب على سيميائية الصورة وجمالية الاضاءة وتوزيعها بسينوغرافيا مبهرة ومميزة تتماهى مع جغرافية البلد المنظم وخصوصياته المناخية فالالوان المستعملة هي تدرجات للبني والاصفر وكلاهما يشكل ثنائية الصحراء والشمس ويرمز كلا اللونين الى الامل، افتتاح مونديال قطر 2022 كان مساحة للإبداع جمع تشكيلات بين فنية مختلفة من لغة الجسد الى الصورة التشكيلية فالغناء البدوي التقليدي بصوت الفنانة دانا وتمازج مع موسيقى العالم عبر غناء فهد الكبيسي مع مجموعة «جونغكوك» الكورية جميعها قدمت بتقنيات سينمائية تشد المتفرج لإتمام كل فعاليات حفل الافتتاح.
افتتاح اكبر التظاهرات العالمية وأكثرها جماهيرية وانتشارا، كاس العالم لكرة القدم جمع كل الثقافات، انصهرت داخله اللغات والمعتقدات والديانات والانتماءات الفكرية والفنية وتماهت جميعها في رحاب الفنون والموسيقى والرقص لتشكل لوحة تشكيلية ممضاة بريشة الحب والسلام والإنسانية، فمن «ستاد البيت» بقطر وجهت رسالة الانسان الى كل اصقاع البسيطة، وجهت التحية الى 8 مليارات انسان والدعوة الخالصة «بالحب والخير والتعاون الدنيا تحلى» كما تقول اغنية حفل الافتتاح.
ولعلّ ابرز ما علق بالذاكرة صورة دارت في كل مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك-انستغرام-تويتر) وحضرت في اغلب الصحف العالمية، صورة الافتتاح التي جمعت الشرق والغرب، صورة جمعت قوة الجسد وصلابة الارادة، صورة عنوانها الانسانية، صورة الثنائي مورغان فيرمان المغني العالمي والملهم غانم المفتاح، اول بجسد كامل وشهرة هوليودية عالمية وثان بنصف جسد وإرادة اكبر من امتداد الصحراء وهمة تجاوز الجبال علوّا، صورة مورغان فيرمان بلباسه العصري وغانم المفتاح بزيه التقليدي القطري هي الاكثر تداولا، صورة تدعو الى الانسانية، تناشد الضمير ليصحو من سباته وينتصر لقيم الحب والتعاون، بنصف جسده المصاب بمتلازمة «التراجع الذيلي» ابهر غانم المفتاح العالم وبصوته الرخيم قرأ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير» ٌ.
الآية الكريمة جسّدت على ساحة الملعب في لقاء الملهمين، فكان لقاء الشرق والغرب، لقاء الضمير والانسانية، لقاء الثقافات والأديان، لقاء لاختلاف التفكير وطريقة العيش والارادة، صوت الضمير وصوت الانسانية جميعها قراءات مختلفة لصورة الثنائي فيرمان والمفتاح، لكل منهما ثقافته وشهرته، لكل جمهوره
ومتابعيه وكلاهما اشترك في كلمات افتتاحية تدعو الى «الوحدة» و«الاحترام» وقبول الاخر، وما جلوس فيرمان على الارض ليكون في نفس المستوى البصري لغانم المفتاح الا دليل على رسالة واحدة هي رسالة «الانسانية» والانتصار للضمير والحب فقط وسط اكبر التظاهرات التي تجمع حولها الشعوب باختلاف معتقداتها وانتماءاتها ومرجعياتها، فالانسانية هي المساحة الصادقة للأحلام وفي رحابها يكون الاختلاف جميلا مبنى.