في أزقة المدينة يصبح لها عبق آخر في رمضان وهي تعيد مصالحة الجمهور مع مدينته العتيقة والعريقة المصنّفة منذ عام 1979 ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو.
في ليالي رمضان، تؤانس باقة من التظاهرات الثقافية السُّمّار وعشاق الفن ّمن خلال مجموعة من السهرات والأنشطة الفنية تحتضنها الفضاءات الثقافية بالمدينة العتيقة خصوصا وعدد من الفضاءات الأخرى بصفة عامة.
الثقافة تنعش أنفاس المدينة العتيقة
كثيرا ما تتخذ المدينة العتيقة في ليالي رمضان صفة الوجهة المفضلة لدى التونسيين لقضاء وقت ممتع بين أحضان الحضارة وعبق التاريخ وشذى العمارة الأصيلة...خصوصا إذا انبعث من بين فضاءاتها المفعمة بالرمز صدى الفنّ والطرب وتجوّل بين شوارعها القديمة وأزقتها الضيقة خيال الفن والفرح ... وككلّ عام، تعد المدينة العتيقة ضيوفها بفسحة من الفنون والمساحات الموسيقية في فضاءات ثقافية تاريخية يعود تاريخها إلى عقود خلت وارتبط تأسيسها بأكثر من حكاية ومغزى على غرار "دار الجمعيات الطبية السليمانية" و"النادي الثقافي الطاهر الحداد" وفضاء "العاشورية" و"بطحاء التريبنال" و"دار الجلد" و"دار الأصرم" و"دار حمودة باشا" و"دار الرشيدية"... وفي إطار الدورة 34 من مهرجان المدينة التي تنطلق يوم 10 جوان الجاري تمت برمجة - إلى جانب السهرات الفنية - جملة من العروض الخارجية لتنشيط شوارع المدينة العتيقة على غرار برمجة عروض في فن السيرك بباب بحر وببطحاء الحلفاوين وساحة باب سويقة، وعرض سطمبالي بساحة خير الدين،إلى جانب إحياء " خرجة سيدي الحاري وخرجة سيدي بوسعيد " وذلك انطلاقا من سيدي بن عروس وصولا إلى ساحة خير الدين...
كما أعد النادي الثقافي الطاهر الحداد برمجة خاصة بليالي رمضان تتوزع على 19 سهرة فنية متنوعة ... وخارج أسوار المدينة العتيقة، ضبطت بعض الفضاءات الثقافية
أجندا خاصة برمضان على شاكلة "ليالي الحمراء" بالمرسى وليالي العبدلية ...
بعيدا عن المهرجانات الصيفية... وفي منافسة مع التلفازات
أمام تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف في السنوات الأخيرة، اعتاد "مهرجان المدينة" وغيره من التظاهرات الثقافية الرمضانية أن يعرف منافسة شديدة مع المهرجانات الصيفية الكبرى على غرار " قرطاج" و"الحمامات"...ولكن هذه السنة، سيكون الأمر مختلفا وستكون لمهرجان المدينة الريادة باعتبار أن موعد المهرجانات الصيفية سيكون بعد عيد الفطر.
وإذ يبدو "التهديد" الوحيد المتبقي في وجه التظاهرات الثقافية في ليالي رمضان يتمثل في منافسة التلفاز في افتكاك الجمهور وإبقائه في البيت في "أسر" لعرض الشاشات من مسلسلات وسلسلات هزلية ومنوّعات... فإن "الكرة" تطل برأسها هذه المرّة متوّعدة بالاستيلاء على نصيب هامّ من الجمهور المغرم بالرياضة مع انطلاق بطولة "أوروبا للأمم"...
وهكذا فقد كتب على الثقافة في رمضان وفي جلّ فصول السنة أن تقاوم شحّ الفضاءات بسبب الغلق أو إعادة التهيئة وتواضع الميزانية ومنافسة العوامل الخارجية... ولكن يبقى الأمل في التفاف الجمهور.