النحات سمير بن قويعة لـ«المغرب» : تمثال شكري بلعيد يشبهه في وجوهه الثلاثة !

كان «الوجه: أسود يلعن هذا الكون»، العينان:» مفتاحا جنون»، والدمع البلوري نصف العمر المحزون، والباقي لوحة...» هكذا قال الشهيد شكري بلعيد في ديوانه

«أشعار نقشتها الريح على أبواب تونس السبعة». أما الفنان سمير بن قويعة فقد جعل من هذه اللوحة منحوتة للذكرى والخلود لحكاية رجل شجاع كانت نهايته الاغتيال برصاصات سرقت من «نيروز» الفرح والأحلام ومن تونس شراسة المعارضة والقضية...
9 سنوات مرت على اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد ولم تزل ملابسات وفاته مجهولة ! اليوم يعود اسم بلعيد إلى الواجهة بعد تنصيب مجسم تذكاري له وسط مدينة صفاقس ببادرة من الاتحاد العام التونسي للشغل بدعوى أن تمثال بلعيد لا يشبه الشهيد...
دلالات ورسائل
هي صور وصور، وضعها الرسام والنحات سمير بن قويعة نصب عينيه عسى أن تلهمه بعضا من سيرة ومسيرة شكري بلعيد وأن تهبه شيئا من الوحي في محاولة تجسيد الشهيد من خلال منحوتة تخلد ذكراه في ذاكرة الأجيال القادمة. إلاّ أنّ الفنان لم يعتمد في نحت التمثال على أي من هذه الصور بل صوّره كما رآه في فكره وخياله...
في شموخ وصمود كما اعتدنا أن نراه في حياته، وقف شكري بلعيد في تمثاله مرتديا زي المحاماة وحاملا كتابا يحمل اسم تونس وفمه مفتوح وكأنه يخاطب الجماهير العريضة، وكأنه يصدح بالحق في وجه الزيف، وكأنه يوصيهم بتونس خيرا وأملا...
في تفسير لأبعاد تمثال شكري بلعيد وما وراءها من دلالات ورسائل، أفاد النحات سمير بن قويعة في تصريح لـ«المغرب» بالقول:«لقد أردته مجسما وفيا لشخصية بلعيد وجامعا لكل أبعادها، وقد اشتغلت هنا على ثلاثة محاور أساسية تترجم ثلاثة أبعاد ميزت هذه الشخصية الوطنية. فكان رداء المحامي إحالة على بلعيد الحقوقي أما الكتاب فقد تعمدت وضعه في جهة القلب لأن تونس كانت قضية الشهيد الكبرى ومن أجلها تم اغتياله، كما ان في توظيف الكتاب إشارة إلى الجانب الثقافي والفكري في حياة بلعيد وهو الذي كانت له محاولات أدبية وشعرية. كما حرصت على إبراز شخصية شكري بلعيد السياسية والقيادية التي تتمتع بكاريزما عالية في فن الخطابة والإقناع . واخترت أن تكون في إشارة الإصبع دلالة على الاستشراف والمستقبل...»
نقد جمالي أم انتقاد مجاني؟
تتعدد زوايا النظر إلى العمل الفني، ولكل عين أن ترى ما يوافق ذائقتها الفنية والجمالية... أما بخصوص مجسم شكري بلعيد فقد ذهب البعض إلى أن هذا التمثال لا يشبه الشهيد أصلا. وفي رده على التعليقات السلبية التي طالت تمثال شكري بلعيد، صرّح النحات سمير بن قويعة لـ«المغرب» قائلا :«عملا بمقولة «هذه دفعة على الحساب الى حين قراءة الكتاب» سارع كثيرون إلى استنقاص قيمة العمل حتى قبل أن ينتهي، ودون مشاهدته كاملا. بالنسبة لي أنا راض عن عملي في حدود النسبية ويقين الإنسان بأن لكل عمل إذا ما تم نقصان. وأعتقد أن أحسن رد هو إعجاب أسرة الشهيد شكري بلعيد بالتمثال، ولا أعتقد أننا ملزمون بالموافقة على تركيز هذه التنصيبة إن لم ترق لهم من باب المجاملة أو الأخذ بالخاطر. وأظن أن شخصية بلعيد في حد ذاتها مثيرة للجدل حتى لو تجسدت في تمثال، فكما ان لهذا الرجل أحباء ينزلونه منزلة الشهيد له أعداء حتى بعد موته. والغريب أن السياق العام الذي تعيشه تونس اليوم جعل البعض ينعت إنجاز تمثال لشكري بلعيد بالوثنية وعبادة الأصنام... لقد خرج البعض من التقييم الفني والجمالي لرمز شكري بلعيد إلى الغوص في ترهات أخرى خارجة عن الموضوع. إنّ الكل أصبح في كل شيء ويفتي في كل شيء ...»
لم يكن العثور على صورة مثلى لشكري بلعيد بالأمر السهل وهو الذي أصبح مشهورا أكثر في كل العالم بعد اغتياله وبعد موته لا في حياته... في هذا السياق يؤكد الفنان سمير بن قويعة أنه عاين نقصا ملحوظا في عدد الصور الجيدة التي يمكن الانطلاق منها لإنجاز تمثال مكتمل الجوانب والأبعاد.
ورغم ضيق الوقت، انتهى سمير بن قويعة في حوالي شهر واحد من الزمن من نحت شكري بلعيد الإنسان والمحامي والسياسي ليبقى تمثاله شاهدا على يوم أسود سال فيه الدم جراء الاغتيال السياسي في تونس. يبدو شكري بلعيد من بعيد وكأنه يردد كما قال ذات يوم: «لا تطردوني ...أنا الوقت في وقتكم مذبحة ..أنا وجع أو نشيد قديم...أنا لعنة قادمة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115