لكن يبدو أنّ «الكوفيد « ليس وحده الذي يعيق السفر بل كذلك الإجراءات الإدارية المعيقة لحرية الارتحال و المكبلة لأجنحة الأحلام ...
في الوقت الذي يسعى فيه المسرح التونسي إلى الانتشار عربيا والمشاركة في أعرق المهرجانات والمنافسة على أكبر الجوائز، قد يحدث العجب ويستحيل السفر وذلك ما وقع لمسرحية «موش عجب يقدر يصير ...».
حرج أمام مهرجان أيام المسرح المتوسطي بوهران
يكفل دستور 2014 في فصله 24 حرية التنقل، وهو الذي نص على ما يلي :»لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته». وحتى في نسخة الدستور التي اقترحها الرئيس قيس سعيد تطابق الفصل 30 مع الفصل 24 حرفيا. ولأنّ الفنانين هم سفراء تونس، فقد كان تخلف مسرحية «موش عجب يقدر يصير...» عن المشاركة في مهرجان وهران الدولِي للمسرح المتوسِطي بسبب تعطل الإجراءات الإدارية لدى سلطة الإشراف مثيرا للتنديد والاستنكار. كان من المفترض أن تطير مسرحية «موش عجب يقدر يصير...» إلى الجزائر لتحط الرحال فوق ركح مهرجان أيام المسرح المتوسطي بوهران يوم 3 جويلية الجاري. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان !
هي حكاية ثلاثة بحارة من ثلاثة أجيال تغزل بين شباكها حكايات عن الوطن والبشر تسردها مسرحية «موش عجب يقدر يصير...» من إخراج محمد المديوني ونص نورالدين الورغي وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة. وبعد أن تمت برمجتها للعرض في الجزائر، وجد فريق المسرحية نفسه في حرج بسبب التخلف عن الالتحاق بمهرجان أيام المسرح المتوسطي بوهران.
ولم يصمت مخرج المسرحية محمد المديوني أمام ما حدث بل ندد بما حدث كالآتي:
«لقد اختارت الوزارة نهج المماطلة المُمنهجة في التّعامُل مع المراسلات الرّسميّة التي وُجِّهت إليها في الغرضِ، منذ بدايات شهر جوان. كما اختارت نهج التسويف وعدم الرّد على المُكالمات وعدم تحديد المواعيد للالتقاء بمن يُمكِنه أن يأخذ القرار مهما كان ذلك القرار- كلّما اقترب موعد السفر. ولقد تجلّى الأمر في الاتصال المُباشِر بمصالح الوزارة المعنيّة – بِمَنْ في ذلك السيّد رئيس ديوان السّيِّدة الوزيرة – الذي قام به الفنّان نور الدّين الورغِي باسم فريق المسرحيّة. و أرى من واجبي، أنا محمد المديوني الكاتب والمخرِج والعميد الأسبق للمعهد العالي للفنّ المسرحِيّ والمدير العام الأسبق لأيّام قرطاج المسرحيّة ثم لأيام قرطاج السينمائية و غير ذلك من المواقع... ممّا يطول تِعْدَادَه، أرى من واجبي أن اُعَبّر، من موقع المسؤوليّة، عن استغرابي مِمّا حصُل وعن امتعاضي من مثل هذا النّهج البيروقراطيّ المتّبع من قِبَل وزارة الشؤون الثقافيّة؛ ولا أتوانى عن تحميل السيّدة وزيرة الشؤون الثقافيّة، شخْصيًّا، مسؤوليّة ما حدَثَ وما انجرّ عنه لأنّه من المفترَضِ ان تكون المشرِفة على الوزارة والموَجِّهة لها والراسِمة لطرُقِ سيرِها. واُسِرّ في أذنها، خاصّة، وبكلّ مودّة :»إنّ وزراء الثقافة النّاجحين، ولقد عرِفت تونس عدَدًا منهم، هُم مَن يُنصتون إلى المُثقّفين والفنّانين ولا يتجاهلون، خاصّة مراسلاتهم بل يُكلِّفون معاوِنيهم بالإجابة عنها في حينها، هذا إن لم يجيبوا عليها شخصِيًّا. وهم أولائك الذين لا يتعالوْن على مُقترحاتهم ورؤاهم بل يستحِثّونهم على ذلك، و يتحاورون معهم فيها. و وزراء الثقافة النّاجحون هم من يسعون إلى الإسهام في تيسير عمل المبدعين التونسيين وتوفير ما يسمَح بإشعاع مُنْجزاهم في تونس وخارِجها، ولا أراك تخالفينني الرأي أنّ ذلك هو الذي يبقى، ولا شيء غيره».
«ذئاب منفردة» كادت أن تحرم من السفر إلى الأردن
ليست مسرحية «موش عجب يقدر يصير...» الوحيدة التي حرمت من للسفر والمشاركة في مهرجان عربي، حيث تم تعطيل مسرحية «ذئاب منفردة» عن السفر إلى الأردن في شهر سبتمبر 2021 في إطار مهرجان صيف الزرقاء المسرحي. ولم يتعلق الأمر وقتها بوزارة الشؤون الثقافية بل برئاسة الجمهورية. فبعد أن وافقت الوزارة على اقتناء تذاكر الطيران، طلبت رئاسة الجمهورية الملف للتثبت ولزمت الصمت. ولم يتمكن فريق المسرحية من السفر إلا بعد انطلاق المهرجان. ومن حسن الحظ، أن «ذئاب منفردة» عادت إلى تونس محملة بالجوائز.
وقد تحصّلت مسرحية «ذئاب منفردة» للمخرج وليد الدغسني وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف على جل جوائز الدورة 19 لمهرجان صيف الزرقاء المسرحي بالأردن .وتوّجت المسرحية التونسية بجوائز أفضل ممثل أول (منير العماري) وأفضل ممثل ثان (وليد الخضراوي) وأفضل ممثلة أولى (شيراز العياري)، وكذلك أفضل سينوغرافيا التي آلت لمحمد الهادي بالخير.
في «ذئاب منفردة» يمسك المخرج وليد الدغسني بتلابيب الإنسان المعاصر ليهز تفكيره ويرّج كيانه كاشفا زيفه ونفاقه ومعريا لقبحه ووحشيته في ملاحقه غرائزه ومصالحه... وفي عصر التواصل الحقيقي والافتراضي بين الناس في ظل الثورة التكنولوجية والرقمية، اقترب البشر أكثر من بعضهم البعض ظاهريا لكن في الحقيقة نمت فيهم نزعة الفردانية أكثر فأكثر وطغى عليهم طبع الأنانية حتى صار الفرد ذئبا منفردا يفترس أخيه الإنسان إن خالف فكره أو وقف في وجه منفعته أو اعترض على تصرفه..
والأكيد أنّ مسرحية «موش عجب يقدر يصير...» كانت ستصنع العجب في الجزائر وتحصد التصفيق الطويل بفضل رشاقة نصها وعمق طرحها وتميز ركحها... ولكن غاب المسرح التونسي بلا سبب ولا ذنب !
المخرج المسرحي محمد المديوني: بأي ذنب حرمت «موش عجب يقدر يصير...» من العرض في الجزائر؟
- بقلم ليلى بورقعة
- 12:39 05/07/2022
- 1350 عدد المشاهدات
بعد أن انزاح كابوس «الكورونا» عن سماء المطارات لتعود إليها رحلات الذهاب والإياب، استعادت الفنون بدورها بعضا من عافيتها حيث استرجع الفنانون والفرق الفنية حقهم في التنقل.