مخرج متميز يؤمن بأفكاره التواقة دائما إلى الاختلاف وتقديم البديل في السينما الوثائقية. من قلب افريقيا اكتسح الشامخ العالمية بفيلم «الغابة المقدسة» الحائز على العديد من الجوائز (ثمانية جوائز عالمية اخرها جائزة افضل فيلم وثائقي طويل للشبكة العالمية للسينما)لأنه صوّر بصدق وببحث سينمائي مختلف.
«الغابة المقدسة» فيلم ينقل للجمهور ثقافة شعوب «اديكرو» في قرية «بوبوري» في الكوت ديفوار ويركز على خصوصيات احتفالاتهم التقليدية صوّر بعين تونسية تبحث عن الاختلاف والجمالية في الصورة والمعنى.
«شعوب السود، لنا ثقافة عظيمة يجب حمايتها»
فلنرحل الى اعماق افريقيا، فلنتجول في اعماق غابة «بوبوري» ولنستمتع بتفاصيل الحياة الافريقية ولننصت الى رقصات الحياة وأغاني الحرية وصخب الانعتاق من كل القيود، فلنستمتع بثقافات الشعوب وعاداتها من خلال عين تونسية مختلفة وراء الكاميرا، عين المخرج الوثائقي عبد الله شامخ الذي حمل جمهور السينما الوثائقية الى جولة جميلة وغريبة الى ادغال افريقيا تحديدا قرية «بوبوري» ووفر لجمهور السينما فرصة التعرف على عادات شعب «اديكرو» في اقامة احتفال الاجيال.
صورة فوقية للغابة، خضرة فاقعة ومبهرة، صوت رجالي يتحدث ويقول «كانت الغابة تحيط بنا حتى الحيوانات كانت تأتي لتشاركنا طعامنا، حتى اصبحت هناك تنمية وكل ما هو (لابرو) غابة حلّ محله الحي والمنازل» من اول جملة يعرف المشاهد انه امام صراع الحضارة والطبيعة، تحديدا صراع المدينة والحياة البرية التقليدية التي ستنقلها الكاميرا تدريجيا في فيلم وثائقي ممتع غنيّ بالتفاصيل.
الكاميرا وسيلة ليعرف محبو الوثائقيات ثقافات الشعوب المختلفة، السينما مطية لاكتشاف الاخرين والاقتراب منهم والإطلاع على هوياتهم المختلفة فما تنقله الكاميرا في تجوالها في قرية «بوبوري» لا يمكن معرفته دون مشاهدة الفيلم «نحن نحيي احتفال الاجيال من خلال ثقافة (اللّوو) ونحن السود شعب اديكرو نمتلك ثقافة عظيمة يجب علينا حمايتها» كما يقول احد المشرفين عن التحضيرات لاحتفال «اللوو» وهو احتفالية يشارك فيها الاطفال (في الفيلم من لم يجتز الامتحان يعتبر طفلا وان تجاوز عامه لعشرين) من عمر 20 الى 23 عام ويمتحن الشباب في امتحانات صعبة تتعلق اغلبها بالغابة ومواجهة الاخطار لتعليمهم الشجاعة اولا والقدرة على تحمل صعوبات الحياة والاعتراف ببلوغهم مرحلة الرجولة والحكمة فبعد الاحتفال يغتسلون بجملة «لقد اصبحتم اليوم كبارا، نغسل اقدامكم لتنزع عنها كل ادران الطفولة اليوم انتم عقلاء» والاحتفال هو الذي يمنح صفة «مواطن» لأبناء القرية.
تواصل الكاميرا جولتها بين الغابة والقرية الصغيرة، تقترب كثيرا من ملامح الوجه، تركز على حركات العين وطريقة النظر فالعيون عادة هي مرآة الروح، تنصت الكاميرا لاغاني النساء وحديث شيخ هو المسؤول عن انجاز الاحتفال وجمع الشباب للامتحان، ينطلق الاحتفال المتوارث منذ اجيال بالبحث عن نبتة «آفال» اولا، ثم تجلب ادوات الاحتفال المتمثلة قي «الكيّس» قماش ابيض يلفّ حول منطقة الحزام مثل احزمة النساء، و»اكريا» تميمة تحمي حاملها من خطر الحروب و»ايبّل» بمثابة القلادة الطويلة المصنوعة من ليف الاشجار ويلف حول الجسد و «واقي الضربات» و»الجرس» لقرعه اثناء المعارك ثم قديما كانوا يحملون «خنجر» وعوض اليوم بالغصن «نحن نعيش زمن السلم، لا نحتاج خناجر، نحتاج رفع الاغصان فقط» ثم تبدئ رقصة «الداسكو» وتليها «صارووف» وهي المشيء على اوراق الموز ليعلمونهم الحكمة، والمرحلة الاخرى طلي الجسد بخليط قذر من الطين (رائحته قوية لنعلمهم الصبر على الصعوبات) وحسب الفيلم مدة الاحتفال ثلاثة ايام تنتهي بالاغتسال بماء «افال» ثم الاغتسال في النهر.
«احتفال الاجيال» تقليد افريقي يتوارثه ابناء قرية «بوبوري» وشعوب «اكيدرو» احتفال التقط عبد الله شامخ تفاصيله ونقلها في فيلمه المسكون بطاقة من حبّ الاطلاع على ثقافة الشعوب الأخرى، الصورة في الفيلم مدهشة فالالوان نقية ومميزة واعطت الكاميرا مساحة كبيرة للطبيعة لتبوح هي الاخرى بقصصها وحكاياتها، تلتقط العدسة التفاصيل المغرية بمزيد المشاهدة، القليل من الحديث قبالة الكثير من الرقص و مساحة اكبرى للطبيعة للغابة بخضرتها والنهر بزرقته المدهشة والتقاليد الافريقية في اعماق غابة «بوبوري» المقدسة.
الرقص هوية ومقدس كما الطبيعة
هم شعوب تحب الحياة، شعوب تعشق الموسيقى والرقص، الافارقة يقبلون على الحياة بشغف، يصنعون من اليومي موسيقى مختلفة، للأفارقة علاقة جد خاصة بالغناء، تتبع الكاميرا حركات النسوة وهن يقمن بعمليات الطبخ والكنس ويغنين. الرجال اثناء الامتحان الصعب ورغم كل المكبلات إلا انهم لا ينقطعون عن الغناء، لشعب «اديكرو» وكل الشعوب الافريقية علاقة خاصة بالرقص والغناء، فللولادة رقصتها وللبلوغ رقصته وللامتحانات رقصتها المميزة وللزواج رقصات وللموت ايضا رقصته وأغنيته فالافريقي تعلم من الغابة والطبيعة الموسيقى، هو يكتب اغانيه كما تغني اوراق الشجر وتعزف الاغصان موسيقاها.
في قرية «بوبوري» وأثناء البحث عن نبتة «آفال» المقدسة يقومون بالغناء، يمشطون الغابة بحثا عن النبتة الطبية العجيبة (نبتة استعملت لأجيال مختلفة في «المداواة» توضع لثلاثة ايام على النار ثم يستحمّ بها الشاب ويعتقد انها تحمي الجسد من كل مرض حسب خبير الاعشاب الطبية بيفالولات) وهو يرددون اغنية تقول « ايها الاخوة الصغار، ايها الاخوة الكبار، تعالوا راهنوا علينا، القرية في احتفال، لا شجار ولا حسد فقط السلم يغمر القرية».
تتواصل الاغاني اثناء الاحتفال ببلوغ الاطفال مرحلة الشباب بالأغاني فترتفع اصوات النسوة بالغناء «ان نعيش في قرية واحدة، ان نعيش فقراء واغنياء» في قرية «بوبوري» لكل فعل حياتي رقصته وأغنيته تلتقطها جيدا كاميرا عبد الله شامخ وتتبع كل التفاصيل المبهجة لشعوب تقبل على الحياة بشغف رغم اختلاف وجهات النظر بين الاجيال «الاجيال الجديدة تقول ان احتفالنا هو فعل شيطاني، لكنه هويتة الاسلاف وهويتنا» كما يقول احد الشيوخ في تعبيره عن تمسكهم بحقهم في الاحتفال والرقص تحت ضوء القمر.
في قرية «بوبوري» تحتفي شعوب «اديكرو» بالغناء وثقافة الحياة، رغم تراجع بعض العادات التي كان ينجزها الاسلاف واهتمام الاجيال الجديدة بالثقافة الاوروبية ونفورهم من موروثهم لكن التمسك بانجاز الاحتفال لازال قائما، مع الكاميرا يكتشف الجمهور ثقافة شعب لازال يسكن الغابات، شعب لازال يقاوم المدنية وتوسع الحضارة على حساب هويته، فهناك لازالوا يحافظون على علاقة الانسان بأمه الطبيعة، ورغم اتساع الجغرافي للقرية وكثرة المنازل ووجود «غرباء جدد» حسب اغنية النهاية فالاحتفالات قائمة وثقافة الغناء والرقص يتوارثها الافارقة جيل بعد جيل لان الرقص عندهم يتماهى مع الصلاة كلاهما مقدس وفي الغابة المقدسة يضمن الشامخ لجمهور الوثائقيات لقاء مقدس يطلع معه على ثقافة الاخر وهويته المحلية الجميلة.
بطاقة تعريف للفيلم:
صوّر الفيلم في غابات بوبوري بفريق يجمع تونسيين مع مساعدة من الايفواريين، وفيما يلي الفريق التقني التونسي الذي نحت معالم فيلم وثائقي عالمي:
• المنتج: شاكر بوعجيلة
• بحث وسيناريو واخراج عبد الله شامخ
• مدير تصوير: بسام عون الله
• مهندس صوت: فؤاد بن ثابت
• مونتاج: عرفات كريفة
• مساعد مونتاج: اشرف عباس
• تصحيح الوان: ايدير بن سلامة
• مكساج: فؤاد بن ثابت
• ترجمة: زهير اسماعيل
فيلم «الغابة المقدسة» للمخرج عبد الله شامخ: السينما تتبع ثقافات الشعوب الافريقية وتنقلها للجمهور
- بقلم مفيدة خليل
- 15:23 29/01/2022
- 1106 عدد المشاهدات
ان تصنع اختلافك وتحافظ عليه فذلك هو الإبداع ان تؤمن بقدرتك على النجاح وتحقق نجاحك رغم كل المعيقات فذاك هو التميز وعبد الله شامخ