عمره وأدبه للكتابة عن البحر والبّحارة، واتخذت تونس من السفينة البونيقية جزءا من شعار الجمهورية... وتزخر المدونة الأدبية والميثولوجيا بقصص وأشعار وأساطير عن البحر والسفينة والشراع.
اعتدنا على معارض للفنون التشكيلية أو الصناعات التقليدية... فقد جاء الكاتب والصحفي ناجي بن جنات بسابقة من نوعها من خلال تنظيم معرض لمجسمات السفن في توثيق لتاريخ الملاحة في العالم.
إبحار على قوارب الفراعنة وصولا إلى العصر الحديث
هي سفن من كل الحضارات والثقافات، ولكل سفينة حكاية وخصوصية تصل الماضي بالحاضر وتؤرخ لحدث أو معركة أو تبادل تجاري بين الشعوب في الحقبات الغابرة. عن السفن وتطور أشكالها وأحجامها عبر حقبات الزمن، أبحر ناجي بن جنات في عالم الملاحة عبر التاريخ مقتفيا أثر السفينة في نحت الحضارة الإنسانية شرقا وغربا، وفي كل الاتجاهات.
لولا السفن لما استطاع الإنسان الإبحار من ضفة إلى أخرى مجتازا القارات ومتحديا الحدود بين الثقافات... ولأنّ البحر يشكل لوحده ثقافة بأكملها، فقد ولع ناجي بن جنات منذ الطفولة بصناعة مجسمات السفن من الورق ليكبر عشق هذه الهواية فيه أكثر فأكثر من خلال المطالعة والإبحار في مراجع التاريخ وأخبار الأمم. فإذا به اليوم ينظم معرضا فريدا من نوعه لأول مرة من نوعها في تونس والعالم العربي تحت عنوان»مجسمات السفن» بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي . وقد حصد المعرض الذي انطلق يوم 24 ديسمبر 2021 اهتماما كبيرا ومتابعة واسعة ليتم تمديد آجاله إلى غاية 8 جانفي 2022.
من خلال 12 مجسما لسفن متنوعة التسميات والوظائف على غرار البوارج الحربية وسفن القراصنة واليخت السياحي يغوص ناجي بن جنات في تاريخ الملاحة منذ الحضارة الفرعونية وصولا إلى اكتشافات العصر الحديث في رحلة ممتعة وشيقة لاكتشاف سير الشعوب التي حفظها البحر ورددها الموج كتعويذة ضد النسيان.
سفن... وحضارات وحكايات
كما يبدع الرسام في تصوير لوحته ويبعث النحات في منحوته الحياة، أحسن ناجي بن جنات صنع مجسمات في منتهى الدقة والروعة لأنواع سفن أثرت في تاريخ الشعوب منها على سبيل الذكر لا الحصر: حاملة الطائرات الأمريكية وسفينة السلطان العثماني وسفينة التيتانيك الشهيرة وقارب نيفرتيتي الفرعونية... ولم تكن ولادة هذه المجسمات الجميلة في الشكل والدقيقة في التصميم والألوان بالأمر السهل أو الهين، إذ قضى صاحبها أشهرا طويلة في صنع المجسم الواحد حتى يكون وفيا للصورة الحقيقة لهذه السفن كما هي في الواقع. فإذا نحن أمام صور مصغرة لسفن مرّت ذات زمن من بحارنا فغيرت أقدارنا.
وعن دواعي تنظيم معرض «مجسمات السفن»، أكد ناجي بن جنات في تصريح لـ «المغرب» قائلا: «على متن السفينة أبحرت عليسة من صور إلى قرطاج لتؤسس حضارتها العظيمة. ولأن تونس دولة متوسطية بالأساس، فقد كان البحر منارة إشعاعها ونبراس ثقافتها على مر التاريخ. هذا البحر الذي كان شاهدا على المعارك والحروب، ولولاه لما كانت الفتوحات وتلاقح الحضارات. وفي معرضي حاولت التوثيق لتاريخ الملاحة عبر العالم بعد سنوات من البحث والعشق والحلم من خلال منظور فلسفي وجمالي وبعد تاريخي وتوثيقي في إعادة الاعتبار لفن الملاحة ونفض للغبار عن دور السفن والبحر في تشكيل العالم من خلال إسقاط إمبراطوريات وتأسيس أخرى سواء في التاريخ القديم أو حتى صراعات الحرب العالمية».
وعن أصل ظهور الملاحة في العالم، يقول ناجي بن جنات:» اقترن ظهور الحضارة بالشرق سواء كان برا وبحرا... ولنا أن نذكر أن إلياذة هوميروس ذكرت أن ألف سفينة أبحرت من أجل تدمير طروادة. وقد عرفت الحضارات النهرية كبلاد النيل والرافدين ثم الحضارة الرومانية والقرطاجية ظهور الملاحة منذ قدم التاريخ. كما كان للشرق الأدني على غرار الصين واليابان تقاليده في صناعة السفن ثم شيئا شيئا انتقلت هذه المعارف إلى الغرب، وقد اعتمدت الحروب الصليبية على الأساطيل التجارية والحربية... وفي خلاصة الأمر يمكن القول بأن الريادة الحضارية قد انتقلت من الشرق إلى الغرب سواء برا أو حربا».
بعد نجاح معرضه «مجسمات السفن»، يسكن ناجي بن جنات الحلم والأمل في تنظيم معارض أخرى في تونس وخارجها تضم عدد أكبر من مجسمات السفن لشعوب ودول أخرى طالما أنه يؤمن بأن «البحر ملك لكل الحضارات».
معرض «مجسمات السفن» لناجي بن جنات: اقتفاء لأثر السفينة في بناء الحضارة
- بقلم ليلى بورقعة
- 11:38 05/01/2022
- 1063 عدد المشاهدات
صنع «نوح» السفينة لينقذ أهله من الطوفان، وأنشد «المتنبي» حكمته الشهيرة: «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، ونذر «حنّامينة»