وليس فوز الكاتب التونسي أيمن حسن بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة (فرع اليوميات المترجمة) سوى ثمرة إبداع في ترجمة كتاب «رحلة حول غرفتي» زمن الكورونا، والذي كان صاحبه الفرنسي «غزافيي دوميستر» قد كتبه بدوره في فترة إقامته الجبرية.
وجائزة «ابن بطوطة لأدب الرحلة» يمنحها سنويا «المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق» تحت رعاية «دار السويدي» في أبوظبي منذ سنة 2003 وتوزع في المعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء بالمغرب. وتمنح الجائزة تتويجاتها في خمسة فروع هي «تحقيق الرحلات» و»الدراسات في أدب الرحلة» و»الرحلة المعاصرة» و»الرحلة الصحفية» و»اليوميات».
كاتب في الإقامة الجبرية ومترجم في حجر الكورونا
مئات بل آلاف من البشر حول العالم لازموا غرفهم ومكثوا في بيوتهم زمن الكورونا. ولعل العشرات منهم سافروا في رحلات بخيالهم وقراءاتهم وكتاباتهم ... كما هو الشأن بالنسبة إلى الكاتب والمترجم أيمن حسن الذي قام بترجمة كتاب «رحلة حول غرفتي» فترة الحجر الصحي، وهو الذي يقول: «ولد مشروع هذه الترجمة كالكثير من الأمور الجميلة من حوار شيّق مع صديقي الشاعر العربي خلال الفترة الأولى لجائحة كورونا، حيثُ كان هذا الصديق يقضي الحجر الصحي في إحدى العواصم الأوروبية وكنتُ أنا هنا في مدينة الحمامات على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. كان حديثنا عن الشّعر والمهرجانات والرحلات المنقطعة بسبب ما يشهده العالم من عزلة. وقادنا الكلام إلى «غزافيي دوميستر» وكتابه المثير «رحلة حول غرفتي»، حتى طلب مني صديقي قائلا:» هيّا، ترجم هذا الكتاب إلى العربيّة ليستفيد منه الجميع!».
ويقدم أيمن حسن الكتاب في أسطر، فيقول: «كَتَبَ غزافيي دوميستر (1763-1852) «رحلة حول غرفتي» سنة 1794 ليروي قصّة الحجر الّذي عاشه لمدّة إثنين وأربعين يوما بسبب نزال غير مشروع. في هذا النصّ السرديّ البديع يستكشف البطل أبسط الأشياء خلال رحلته حول غرفته، في حين يحوم طيف الثّورة الفرنسيّة في الأفق معلنا عن ترجمة فعليّة لفلسفة الأنوار وعن العالم الجديد الّذي وُلِدَ حينها والّذي لا نزال نعيش فيه اليوم زمن الحجر الصحّي وجائحة الكورونا».
ترجمة رشيقة وعميقة
هل كان المترجم أيمن حسن يروم تتويجا أو يتوقع فوزا من وراء نقل كتاب « «رحلة حول غرفتي» من الفرنسية إلى العربية؟ يجيب صاحب جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة قائلا: « أبدا لم أكن أبحث لا عن نصر ولا عن انتصار بل لست أدري كيف اندفعتُ في الترجمة بتلقائيّة لا مثيل لها. لكن اليوم وبعد انتهائي من الكتاب، تبدو بعض كلمات رولان بارت عن «لذّة النصّ» وراء هذا الحماس الذي ما انفكّ يُلهمني ويُراودني طوال فترة اشتغالي على هذا النصّ الممتع والشيّق والصّعب في نفس الوقت انطلاقا من نصّ يتحدّث عن الحرمان من السّفر أو استحالة فعل التحرّك والتنقّل بصفة عاديّة كما كنّا ولازلنا نعيش تحت وطأة جائحة كورونا».
بأسلوب رشيق وشيق، انسابت ترجمة «رحلة حول غرفتي» في لسانها العربي في رشاقة وخفة طيف ولفظ. ومن مقتطفات الكتاب كما ترجمه أيمن حسن ما يلي: «لقد خطّطتُ وقُمتُ برحلة دامت اثنين وأربعين يوما حول غرفتي. فالملاحظات الشيّقة الّتي قمتُ بها، والمتعة المستمرّة الّتي شعرتُ بها طوال الطّريق، جعلتني أرغبُ في مشاركتها مع الجميع؛ فثقتي بأنّي مُفيدٌ هي الّتي فرضت قراري الأخير. يشعرُ قلبي برضا لا يوصف حين أفكّر بالعدد اللاّمتناهي من التّعساء اللّذين أهديهم مَوْرِدًا مضمونا ضدّ القلق، وتلطيفا للآلام الّتي يتحمّلون. المتعة الّتي نشعرُ بها عند سفرنا في غرفتنا ملاذ ضدّ الغيرة القلقة للبشر؛ وهي متعة مستقلّة عن الحظّ.
هل يوجد في الواقع شخص غير سعيد بما فيه الكفاية، أو مهجور بما فيه الكفاية، حتّى لا يكون من حظّه التمتّع بملجأ حيث ينسحب ويختبئ من النّاس جميعا؟ هذه هي كلّ تحضيرات الرّحلة».
أيمن حسن في سطور
من مواليد حمّام سوسة سنة 1981. يُدرّسُ اليوم الأدب الفرنسي بالمعهد العالي للّغات المطبّقة بالمكنين (جامعة المنستير). شاعر وكاتب ومترجم من إصداراته الشّعريّة بالفرنسيّة «تونسة يليها يوميّات الدمّ المتكلّس» المتحصّلة على جائزة «روجي كوفالسكي» لمدينة ليون الفرنسيّة سنة 2017.
نشر عديد المقالات والدراسات الفكرية والنقدية. وترجم أيمن حسن قصائد أشهر شعراء عرب إلى الفرنسيّة من بينهم محمد الغُزي ومنصف المزغنّي، وأدونيس ونوري الجرّاح... وأشرف على نشر الكتاب الأول باللغة الفرنسية لمحمد الصغير أولاد أحمد تحت عنوان «مسودة وطن» سنة 2021.
صدرت له رواية «الكذبة العظيمة» سنة 2011 و«المأزق أو فنّ الحبّ التونسي» سنة 2017.