ويبقى الخط العربي من أروع ما أبدعته الريشة وخطه القلم لأنه ليس مجرد كتابة بل هو لوحات وجماليات من الهندسة والزخرفة والفن التشكيلي ... وكان الفنان الشهير «بيكاسو» قد قال: «إنّ أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد».
بصفة رسمية، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أول أمس، الخط العربي ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي.
الخط العربي: ثقافة بأكملها...
تحت عنوان «الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات» التحق عنصر الخط العربي بالقائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. وباعتبار أن الخط العربي إرثا ثقافيا وحضاريا مشتركا بين عديد الدول العربية والمسلمة. فقد تقدمت 16 دولة بملف مشترك لإدراج الخط العربي في قائمة اليونسكو، وهي: تونس والأردن والإمارات والبحرين والجزائر والسعودية والعراق والسودان وسلطنة عمان وفلسطين ولبنان والكويت، ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن.
وكانت تونس قد أودعت ملف ترشيح الخط العربي قصد إدراجه على لائحة التراث اللامادي لليونسكو وذلك بفضل جهود خبراء المعهد الوطني للتراث تحت إشراف الباحث والأستاذ المحاضر في الأنثروبولوجيا الثقافية عماد بن صولة بدعم من مندوب تونس الدائم لدى اليونسكو.
وقد ورد في قائمة الجرد الوطني للتراث اللامادي التي أعدها خبراء المعهد الوطني للتراث أن «فنون الخطّ ليست فحسب ذلك التركيب الحرفي الذي يعطي للكلمة شكلا خاصا، بحيث تبرز من خلال وظيفتها التقنية المرتبطة بالكتابة بوصفها تمثيلا للفكر وأداة تواصل، وإنّما هي أيضا، وبالأساس، ثقافة كاملة ذات أبعاد فنية ومعرفية واجتماعية ورمزية، وبالتالي فالأمر يتعلق بعنصر مرّكب يتداخل فيه الوظيفي بالرمزي تداخلا يحيل على ما ينطوي عليه من ثراء وتنوّع وامتداد».
يتألف عنصر الخط العربي حسب خبراء المعهد الوطني للتراث من مستوين اثنين: مستوى ظاهر ملموس يضّم عددا من الممارسات والتقنيات والمهارات القابلة للملاحظة المباشرة، ومستوى خفي لا يكشف عن نفسه بصفة معلنة شفافة، وفيه نجد جملة من المعارف والتصورات والرمزيات الثاوية في أعماق ممارسيه وحملته. وتتعّدد العناصر المادية واللامادية للخط العربي باختلاف محامله من ورق وخشب وجصّ وحجارة ومعادن وقماش... وتنوّع الممارسة سواء كانت فنية أو حرفية أو طقسية ...
الخط العربي في تونس: تهديدات وتخوّفات
لئن كان الخط العربي من المحددات الأساسية للهوية التونسية والعربية، فإن خبراء المعهد الوطني للتراث أبدوا تخوّفا من الحد من الطابع الفني والجمالي لهذا العنصر الثقافي الثري وتحويله إلى كائن افتراضي والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة. كما إن العولمة تمثل تهديدات للتنوع اللّساني للإنسانية وما يتصل بها من فنون ومهارات وأنماط ثقافية.
«تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها» هكذا ينص الفصل الأول من الدستور التونسي على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد التونسية. كما أن الفصل 39 ورد فيه أن الدولة «تعمل على ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها» وبما أن استدامة فنون الخط العربي لا تنفصل عن استدامة اللغة العربية في حد ذاتها فهذا الاعتراف القانوني الرفيع يمثل إحدى أهم آليات صون العنصر على الصعيد التشريعي وفق ما ورد في بطاقة الجرد التي أعدّها المعهد الوطني للتراث.
ومن برامج تثمين الخط العربي وإجراءات صونه إقرار تدريس قواعد فنون الخط العربي ضمن مناهج التعليم الرسمية وكذلك بمعاهد الفنون الجميلة وبعدد من الاختصاصات الجامعية ذات الصلة بالتاريخ والفنون والآثار والحضارة.
كما تتوّفر تونس على شبكة من المؤسسات التي تشمل أدوراها تثمين الخط العربي على غرار المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني التونسي والمركز الوطني لفنون الخط...
وتحتفي تونس بتنظيم مجموعة من التظاهرات الثقافية والتربويّة من قبل الجمعيات والهياكل الرسميّة تعرف بجمالية الخط العربي وثرائه وقدرته على الانسجام مع المستجدات والتطورات الحديثة.
وتجدر الإشارة إلى أنه وإلى حدود سنة 2018 كانت تونس غائبة تماما عن قائمة التراث العالمي غير المادي، وبفضل مهارات فخار سجنان التحقت بلادنا بقائمة اليونسكو، لتفتخر اليوم بتسجيل أربعة عناصر أخرى من هذا التراث الحي. ففي سنة 2019 تم إدراج عنصر نخيل التمر (المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات) في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية. أما في سنة 2020 فقد نجحت تونس في تسجيل عنصرين اثنين في وقت واحد لدى اليونسكو، وهما الصيد بالشرفية بجزر قرقنة (ولاية صفاقس) والكسكسي باعتباره عنصرا تراثيا مشتركا مع المغرب والجزائر وموريتانيا. وأخيرا تم تسجيل الخط العربي ضمن ملف مشترك في قائمة التراث العالمي غير المادي سنة 2021 . ومن المنتظر أن تسجل تونس في قادم الأيام عنصر «الهريسة» في التراث العالمي.