الرحال بتونس في دعوة لعشاق الفن الرابع إلى سفر جميل مع إبداعات الزمن الجميل في عودة بالذاكرة والحنين إلى فترة الأربعينيات بكل ملامحها ونمط عيشها وأسلوب حياتها...
في إيقاع سريع وسرد مشوق، أمتعت مسرحية «ليلتكم سعيدة» جمهورها على امتداد حوالي ساعة من الزمن. وقد حضر العرض سفير جمهورية مصر العربية في تونس إيهاب فهمي. وللتذكير فإنّ مصر تحل ضيف شرف على الدورة 22 من أيام قرطاج المسرحية.
خيانة زوجية وجريمة مفتعلة
على صوت المطرب سيد درويش وهو يغني: «حرج عليا بابا ما أروحش السينما»، ترتفع ستارة مسرحية «ليلتكم سعيدة» على مشهد لهو بين عاشقين بعد عودة من مشاهدة مسرحية أو «رواية» وفق اللهجة المسرحية للفنان علي الكسار. وفي ذلك إشارة واضحة إلى زمن المسرحية التي تعود أحداثها إلى فترة الأربعينيات في مصر. لم يمض على تعارف «درية» و»فريد» سوى أسبوع واحد لكنهما انسجما في علاقة غرامية ملتهبة الأشواق، أو هكذا يبدو ! فليس الرجل المتزوج والعاشق للراقصة الجميلة سوى متحيل كبير في ثوب حبيب مخلص.
تتآمر الأحداث والشخصيات لكشف العلاقة السرية بين العاشقين، فتهرع الزوجة «شكرية» إلى « جرسونيرة « العشيقة مهددة ومتوعدة ثم راكعة ومتوسلة بأن تهبها مالها ومجوهراتها حتى لا تتشرد عائلتها بتعلة أن زوجها اختلس أموالا من عمله ليصرفها عليها. لا تتأخر العشيقة في مد يد المساعدة لكن الزوج الخائن يتظاهر بالموت بعد الإصابة بنوبة قلبية بعد أن رأى وسمع زوجته ابنة الحسب والنسب تركع تحت قدمي «عاهرة».
وبعد زمن و بمحض الصدفة، تكتشف الراقصة أن الزوج لم يمت وأنها كانت ضحية ابتزاز عائلة بأكملها، فترفع الأمر إلى القضاء. وفي ختام العرض، يصدح صوت المخرج ليعلم الجمهور بأنه وقع الحكم على العائلة المتحيلة بـ 15 سنة سجنا وتم الزج بكل أعضائها بين القضبان.
قصة «تشيخوف» بروح مصرية
على ركح كوميدي يعيدنا إلى المناخات المصرية في فترة الأربعينيات على مستوى اللغة واللباس وديكور المنازل وحتى أسماء الشخصيات ... أبدع المخرج خالد جلال في رسم معالم ركحه وتوزيع فضاء مسرحه ليكون وفيا لروح النص وطبيعة العرض.
وبمنتهى البراعة وبكثير من الإقناع، يجسد بطولة مسرحية «ليلتكم سعيدة « كل من محمد على رزق ومريم السكرى وبسنت صيام ومروة عيد وألحان المهدي ونديم هشام.
اقتباسا من قصة «مغنية الكورس» لأنطون تشيكوف، أعاد المخرج المصري خالد جلال كتابة هذه الحكاية وتطعيمها بشخصيات جديدة وإضفاء نكهة مصرية على تفاصيلها وروحها. ولئن جاءت قصة المسرحية تراجيدية المشاهد وسوداوية النهاية، فإن الكوميديا فيها تتوّلد من أسلوب ظهور الممثلين ومن نص الحوار بينهم ومن طريقة نطقهم للحروف ...وكل هذه المقومّات خلقت مسرحية هزلية خفيفة الظل دون تعسف على فن الإضحاك ودون مبالغة في توظيف وسائل السخرية.
ومن بين الفصول والسطور، تطالعنا في مسرحية «ليلتكم سعيدة» من حين إلى آخر لمسة سينمائية على مستوى الخطاب والأداء بتوقيع أفلام حقبة الأربعينيات في برهنة على التقاء الفنون وحوارها المتواصل عبر الأزمنة والأجيال. وقد كانت «ليلتكم سعيدة» حقا مرآة عاكسة للفن المصري في الزمن الجميل.
مسرح «الفودفيل» يحافظ على رونقه الخاص
تندرج مسرحية «ليلتكم سعيدة» لخالد جلال في سياق مسرح «الفودفيل». وتتوفر في هذا العرض كل مقومات «المسرح الشعبي» الذي يتيح فرجة رائقة لكل شرائح المجتمع ويتكيّف مع فضاءات جديدة للعرض خارج أركاح القاعات التقليدية. وقد تم إنتاج عرض «ليلتكم سعيدة» السنة الفارطة في إطار مبادرة «خليك في البيت - المسرح بين إيديك»، والتي قامت بتقديم المنتج الثقافي على قناة وزارة الثقافة المصرية على موقع «يوتيوب» في زمن الكورونا. وقد حظيت مسرحية «ليلتكم سعيدة» بأعلى نسب المشاهدة أيام الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا.
وقد أثبتت مسرحية «ليلتكم سعيدة» بأن المسرح قادر على استيعاب كل الأركاح والتأقلم مع شاشات العرض المعاصرة بما في ذلك وسائل الاتصال الحديثة مما من شأنه أن يصالح الأجيال الجديدة مع «أب الفنون» وأن يتيح آفاقا أرحب لترويج المنتوج المسرحي خارج حلقته الكلاسيكية.
كما أعادت «ليلتكم سعيدة» الاعتبار إلى مسرح «الفودفيل» الذي يبقى مسرحا «حميما» وطريف الطرح والتقديم مما يجعله سهل القبول والعبور إلى بيوت المشاهدين من خلال شاشات تلفازاتهم أو حتى شاشات حواسيبهم التي فرضها الزمن المعاصر.
لئن جاء إنتاج مسرحية «ليلتكم سعيدة» لسد حاجة الجمهور إلى الفن والمسارح مغلقة بسبب الكورونا، فإن هذه المبادرة تؤكد أن المسرح أداة تحد لكل المخاطر وسلاح مقاومة في وجه الأزمات .
في أيام قرطاج المسرحية: «ليلتكم سعيدة» من مصر... كوميديا من الزمن الجميل
- بقلم ليلى بورقعة
- 09:51 09/12/2021
- 1078 عدد المشاهدات
من ركح المسرح القومي العريق في مصر إلى خشبة أيام قرطاج المسرحية الأشهر عربيا وإفريقيا، حطت مسرحية «ليلتكم سعيدة»