هي التي لم تنهزم في أكبر معاركها وملامحها ، ولم تنحن أمام ضعفها وخساراتها... استسلمت إلى جبروت المرض الخبيث بعد أن بقي جسدها الثائر يقاوم طويلا، طويلا متمسكا بالحياة!
اختطفتها يد المنون مساء الثلاثاء 18 ماي 2021 بعد صراع طويل مع مرض السرطان . لكن رنين ضحكاتها المتحدية المتفائلة لن يخفت أبدا... ولن يموت.
عميقة الفكر... جميلة الروح
كل من عرف زينب فرحات من قريب أو من بعيد إلا وأحبّها؟ و كل من جمعته لقاءات أو مناسبات معها إلّا وتملكه الإعجاب بهذه المرأة المسكونة بالرؤى والأفكار والمناضلة من أجل القيم والحريات... عن معنى اسمها الجميل قال ابن الأعرابي «الزينب هو شجر حسن المنظر طيب الرائحة». وزينب فرحات كانت دائما جميلة الروح والحضور وأنيقة اللباس والمظهر وهي الحريصة على التجمل بحلي وأزياء من التراث التونسي الأصيل .
كانت زينب فرحات تملك من الحب والإيثار ما يتسع للجميع دون استثناء، وهي التي كثيرا ما اصطفت إلى جانب المضطهدين والمظلومين ودافعت عن حقوق الأقليات ووقفت في الصفوف الأمامية لكل الاحتجاجات الحقوقية والنسوية... هي الروح العذبة التي كانت تمتع في أوقات الفرح وتداوي في أزمنة الجرح.
إن كانت زينب فرحات امرأة بصيغة الجمع، فهي لم تكن مجرد صحفية وفنانة وناشطة حقوقية ونسوية... بل كانت أكبر من ذلك بكثير! إنها»الثائرة الرقيقة» كما وصفها حكيم بن حمودة. وهي الشخصية الاستثنائية والفراشة المتوهجة التي تراقص الضوء والنار دون أن تستسلم والتي تحلق بأجنحة من الألوان والبهجة لتنشر ثقافة الأمل والتفاؤل حولها.
مسيرة من ذهب وحب
نحتت زينب فرحات مسيرة من ذهب وخلقت لاسمها شهرة يشهد بها القاصي والداني بالإعجاب والاحترام .. كانت في كل محطات حياتها وفية لقناعاتها التي نشأت عليها ومبادئها التي تربت عليها... كيف لا ؟ وهي سليلة عائلة «فرحات» المثقفة والفنانة والمناضلة. إنها ابنه المعلم والنقابي والمناضل الصحبي فرحات وشقيقة الفنانة الراحلة صفية فرحات وأخت الموسيقي أسامة فرحات والمسرحي رجاء فرحات. ولدت زينب فرحات في العاصمة ومن معهد الصحافة وعلوم الإخبار تخرجت سنة 1980 لتشق طريقها في عالم الصحافة والكتابة ولتحمل على عاتقها هاجس القضايا الوطنية والعربية على غرار القضية الفلسطينية...
من السلطة الرابعة إلى الفن الرابع، نقلت زينب فرحات هواجسها ورؤاها وآمالها.... فكانت الوجه المشرق والفكر الوقاد والعقل المدبر في إدارة فضاء « التياترو» الذي أسسه رفيق دربها المسرحي القدير توفيق الجبالي ليكون أول فضاء ثقافي خاص في تونس والعالم العربي سنة 1987.
تجمع زينب فرحات بين ميزات وسمات كثيرة يصعب حصرها أو وصفها... فهي الشخصية القوية، الثائرة والمرأة المناضلة في الشأن الحقوقي والنسوي والسياسي ... وهي في المقابل الفنانة الرقيقة والمسرحية الراقية والمحدثة الجيّدة والخطيبة الفصيحة.
بكل شراسة، دافعت زينب فرحات عن حقوق المرأة وقضايا المساواة ضمن جمعية النساء الديمقراطيات...وانتصرت للذائقة الجمالية العالية والقضايا الوطنية في كل المجالات عبر جمعيتها «زنوبيا للفن والإبداع»....كما ناضلت من أجل كرامة الفنان وحريته من خلال تأسيسها ورئاستها لـ«النقابة الحرة للفضاءات الركحية» .... وقد يضيق المجال وتعجز الكلمات عن تعداد إسهامات زينب فرحات في الحياة الثقافية ودورها في المجتمع المدني وهي المعروفة في كل الأوساط بحزمها وثورتها وجرأتها ....
رفيقة درب توفيق الجبالي في «التياترو»... والحياة
من أشهر الثنائيات المثقفة والرائعة في تونس، يأتي توفيق الجبالي وزينب فرحات مثالا لزوجين قاوما الرادءة من أجل تأسيس الوعي الفني والإنساني، ونموذجا لرفيقين ناضلا من أجل حياة أفضل للفنان والإنسان. في رثاء رفيقة دربه ومشروعه، كتب الفنان توفيق الجبالي بكل أسى : «لقد فارقتنا زينب بعد أن غلبها المرض الآثم... وأنهكها كما لم ينهكها أحدا ونال من عزيمتها وهي التي لم يثنها عائق أو مسار.ما أحمق الحياة حين تصدمنا بالحقيقة .وداعا زينب ...».
ومن أجمل ما قيل في نعي زينب فرحات بعد رحيلها المفاجئ، ما كتبه الفنان مرسيل خليفة قائلا : «شربت الكأس حتى الثمالة وقامت بما تملك من عناد ودهشة وبما تختزن من حب لتنقّح « التياترو » من عبث الأمكنة .هربت من شروط العادي ولم تُشفى من سعيها الدائم لأنه عمل ملازم لا يعني الشفاء منه سوى هذا الغياب الصادح. زينب فرحات دمعة في العين نذرفها ».
طوال حياتها كانت زينب فرحات تشع نوارا وتنتج فكرا وتثمر إبداعا.... كانت في كل مرة تعود أجمل وأقوى . ولكن في هذه المرة... ذهبت .. ولن تعود ! إن كانت زينب فرحات قد ماتت... فإنها لم تمت !
لقد تم تشييع جثمانها،أمس، إلى مثواه الأخير .. ولكن زينب فرحات ليست مجرد جسد، لذلك فإن روحها باقية لنا وحولنا... لا ترحل ولا تموت.
وداعا زينب فرحات ... لك الخلود ولنا العزاء. أبدا لن يمحى اسمك من الذاكرة والوجدان.
وداعا زينب فرحات: أيقونة الفكر وسيّدة النضال ...
- بقلم ليلى بورقعة
- 10:19 20/05/2021
- 986 عدد المشاهدات
هل حقا ماتت زينب فرحات؟ كيف انتحرت الابتسامة على شفتيها؟ وكيف انطفأ في عينيها بريق الأمل والحب؟