جمهورها الغفير وهي صاحبة الوجاهة في الظهور والأداء... إنها وجيهة الجندوبي التي تلاعب أدوراها على أرجوحة الاحتراف وتراقص شخصياتها على سمفونية الإبداع.
في الوقت التي تُدنس فيه الشاشة الصغيرة بظهور كل من دبّ وهبّ ودون موهبة تذكر من شهيرات «الانستقرام» ومهووسات «النفخ والشفط»... تطيح الفنانة وجيهة الجندوبي بكل هذه «الزوائد» المتفشية في جسد الدراما التونسية بكفّ من حرير ووجه من حنين، دون الحاجة إلى عمليات تجميل أو مساحيق تزويق. إنها تدير الرقاب إليها بلا تصنّع أو تكلف... وبلا قفازات !
أمام الأداء العذب لوجيهة الجندوبي في دور الأم في مسلسل «حرقة» للمخرج الأسعد الوسلاتي، لا نملك سوى أن نقف مشدوهين أمام ممثلة تدير الدور كخاتم في إصبعها وتطوعه رهن بنانها... فتنطق نظراتها بأبلغ الكلمات ويتحرك جسدها بكل عفوية وحرفية ليطوقنا بعوالم الشخصية ويأسرنا إليها ... وكأن وجعها ألم في صدرنا، وكأن روحها قطعة منا .
هي الوجه الذي تحبه الكاميرا بل وتتواطأ معه من أجل أن تكون صاحبته وجيهة الجندوبي سيّدة كل الأدوار والمبدعة في كل الأطوار سواء كانت تراجيديا أو كوميديا.
في «حرقة» أضرمت وجيهة الجندوبي النار في جسدها انتقاما من نفسها بعد أن أجبرت ابنها على «الحرقة» في رحلة مجهولة المصير إلى إيطاليا... فاحترقت معها قلوبنا وانحبست أنفاسنا أمام هول مصيبة الأم الجريحة والملتاعة. لقد تسلل وجعها من الشاشة إلينا دون حول أو قوة منا، وكأنها في كل مرة تمرّر فيها يدها على آثار الحريق في رقبتها تلامس فيها معاناة مئات الأمهات وترش الملح فوق جرح قلوب اكتوت بنار الفراق.
ما من شك أن وجيهة الجندوبي تتلوّن كالحرباء من دور إلى آخر ولا تكرّر نفسها من شخصية إلى أخرى، فاختلافها يكمن في تفاصيلها الصغيرة الكامنة في سكونها وحركتها، عيونها وصوتها، غضبها وهدوئها... التي تجعل منها ممثلة صف أول تملأ الشاشة وتشغل الناس.
في مشقة البحث عن أثر لابنها المفقود في الضفة الأخرى من المتوسط، تترجم وجيهة الجندوبي قهر عائلات تونسية ومغاربية وإفريقية سرق منها البحر فلذات أكبادها وبقايا أحلامها...كما تضع إصبعها في عين الحكومة المتخاذلة لتحاكمها على عجزها وإهمالها وفشلها في التعاطي مع ملف الهجرة غير الشرعية.
لأنها تمتلك موهبة جبارة وطاقة أداء فياضة، فإن وجيهة الجندوبي تلبس شخصياتها المختلفة على المقاس وتلعب أدوراها بمنتهى الصدق والإخلاص... لذلك فهي تستحق جائزة أحسن ممثلة في رمضان 2021 بكل كفاءة واقتدار.