فالصديق يقطع خصامَه الطويل لصديقه واصلًا إياه، والجار يُحسِن إلى جاره الذي طالت إساءته له، والأخ يتصل بأخيه ويذهب إليه مهنئًا إياه بقدوم الشهر الفضيل، بعد أن فرَّقتهما مشكلات تافهة، والأَولى بالوصال والتسامح معهما الوالدانِ؛ فالخصام في حقِّهما جريمةٌ كبرى، وقطيعتهما لا غفران لها إلا بوصالِهما، وخفض الجناح لهما؛ رجاءَ نَيْل رضاهما، وبالتالي نَيْل رضا الرحمن سبحانه وتعالى.
• هل نحقق الوحدة المنشودة؟
إننا لا نريد وحدةً مجتمعية تتحقَّق في شهر واحد في العام، بل نتطلع إلى وحدة للأمَّة لا تنفكُّ عنها؛ لتكون مصدرًا لقوتِها وتماسُكِها كما كانت من قبل، إنَّ الوحدة الإسلاميَّة تجعل الشعوبَ العربية والإسلامية كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص الذي لا يستطيع اختراقَه أحدٌ، بينما يُمثِّل التشرذمُ والتفرُّق علامةَ الضعف والهزيمة والفشل؛ لذلك عندما كان المسلمون أقوياء كانوا موحَّدين، ولم يستطع أعداء الأمة تحقيقَ ما أرادوه إلا عندما تفرَّق المسلمون وتشتَّتت أهدافهم، وما صمد المسلمون في الماضي تجاه أعدائهم إلا بهذه الوحدة، التي كانت لا تفرِّق بين قطر وآخر، فهي وحدة لا تعرف الحدودَ السياسية، والتاريخُ يُنبِّئنا أنه صدَّ همجية التتار بهذه الوحدة، واستعاد بيت المقدس بهذه الوحدة، فالوحدة بين المسلمين هي عنوان التكافل والتضامن.
ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بمَعزِلٍ عن المجتمع، فلا بد إذًن من مخالطة الناس، والتعاون معهم على كل خير وبرٍّ وهدى، عند ذلك تنهض الأمة وتُحقِّق ريادتها المنشودة، وإذا كان شهر رمضان يعطينا نموذجًا لهذه الوحدة المجتمعية، فالمطلوب والمرجوُّ أن يتحقق ذلك على الدوام، وفي كافة أنحاء عالَمِنا الإسلامي، عند ذلك تنهض أمَّتُنا وتتبوَّأ الصدارة، كما كان ذلك في سالف عهدها في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وإذا كنا نتكلم عن الوحدة المجتمعية في شهر رمضان وفي غيره، فإننا نُحذِّر من الفُرْقة والاختلاف؛ فإنها مِعْوَل شديد لهدمِ المجتمعات، وأساس هذا الخلاف ومصدره التنافسُ على هذه الدنيا الفانية والمهلكة، قال الله تعالى" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "الأنفال: 4.
فالفُرقة ذلٌّ وهوان، والتنازع نذير الفشل والهلاك؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث عمرو بن عوفٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فو اللهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكن أخشَى عليكم أن تُبسطَ الدنيا عليكم كما بُسِطَت على مَن كان قبلَكم، فتنافسُوها كما تنافسُوها، وتُهلِكَكم كما أهلكَتْهم"، فالاعتصامَ الاعتصام، والوحدةَ الوحدة؛ استجابةً لأمر ربنا سبحانه وتعالى" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا " آل عمران: 103.