أخوة وسماحة وسكينة ووفاء.والذين يفتقدون هذا الخلق تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد، وسوء الظن والخبث.. ومعنى الطيب في اللغة: الطاهر والنظيف وذو الأمن والخير الكثير ، والذي لا خبث فيه ولا غدر..
ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيب، والزوجة الطيبة ، والبلدة الطيبة، والقول الطيب، والذرية الطيبة، والريح الطيبة، والحياة الطيبة. وكلها معاني طهر وعفة وصفاء ونقاء، وهذا حال صاحب خلق (الطيبة).
إن الله عز وجل حين خلق بني آدم "جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".رواه أحمد
ولا يستوي الخبيث والطيب، و لا يأتلف كل واحد إلا مع قرينه وشبيهه.
وحرصا من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة نهاه ان ينسب الخبث إلى نفسه، فقال: " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"البخاري
ويورد ابن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي فيقول: " وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه إن أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى ولو في الألفاظ المشتركة".
ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة الأترجة: " طعمها طيب وريحها طيب". وضرب للمؤمن مثلا آخر فقال: " والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا". وكلّها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.
والرجل الطيب قد يختلف حاله.. فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة تبعا لما يمر به من أقدار، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فقال بعضهم: نراك اليوم طيب النفس؟ فقال: "أجل، والحمد لله". ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: " لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس خير من النعيم". صحيح سنن ابن ماجة.
والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري من أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد ، قائلا له: " عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" البخاري.
وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز، كما قال تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب..." آل عمران:179 وفي ظلال الآية أن دور الأمة المسلمة يقتضي التجرّد والصفاء والتمييز و التماسك.. وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبيث. ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب.وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.