-قائم في الأمة مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-فهو خليفته ووارثه “العلماء ورثة الأنبياء”، وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة.. قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه – كما قال الشاطبي – شارع، واجب اتباعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق.
ويقول أيضا “إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟!”
يقول الإمام النووي -رحمه الله- في مقدمة كتاب المجموع شرح المهذب: “اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- وقائم بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى”.
ومما زاد الأمر تعقيدا هو التطور العلمي المذهل، وتعدد حاجات الناس المستمرة وكثرة الوقائع المستجدة مع شبه غياب لمؤسسات شرعية تؤطر هذا المجال الحساس وتراقبه من كل دخيل ومنتحل ومدعي وكل من لا خلاق له اتخذ من هذا المنصب حرفة يسترزق منها أو يبني أمجاد نفسه الخداعة، هؤلاء الذين اقتحموا هذا المجال فضلوا وأضلوا يجعلنا نتساءل عن المحددات الأخلاقية للفتوى والمفتين لضمان حماية هذا المجال من أي دخيل وفق رؤية شرعية صارمة وحازمة مع مراعاة المقاصد الشرعية.
وسنحاول دراسة الأسس الأخلاقية للفتوى، عند الإمام مالك، والشروط الأخلاقية الواجب توافرها في المفتي باعتباره موقعا عن الله تعالى، تكمن أهمية دراسة صناعة الفتوى، في جانبها الأخلاقي أن العديد من العلماء المتقدمين وحتى المتأخرين أفردوا أبوابا وكتبا ومؤلفات خاصة تتناول أدب الإفتاء، والأهلية الأخلاقية الواجب توفرها في المفتي حتى يكون أهلا للإفتاء ومحلا للاقتداء، فمن أوائل الكتب: كتاب أدب المفتي والمستفتي للشيخ أبي القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري الشافعي ت 386هـ وتأتي كتب الخطيب البغدادي ت 463هـ في هذا المجال منها كتاب الفقيه والمتفقه، وكتاب تقييد العلم، وكتاب الجامع وغير ذلك، ومن الكتب المهمة في هذا المجال كتاب أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح، ت643هـ وكتاب صفة الفتوى والمستفتي للإمام أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي، ت695هـ وآداب الفتوى للشيخ محمد بن محمد المقدسي ت 808هـ وأدب الفتيا لجلال الدين السيوطي ت911هـ وغيرها كثير.