وأما الهداية فهي التي تنبني عليها الحياة الآخرة المستمرة الدائمة.
لهذا كان حريّا بالمسلم أن يُلحّ في دعائه لله تعالى ويطلب منه الهداية؛ لأن طلب الهداية من الله تعالى، والاستعانة به سبحانه على تحقيقها، يسلك بالعبد طريق الرضوان والجنّة، والعبد وإن كان من المهتدين إلا أنه محتاج ليل نهار إلى سؤال الهداية من ربه، وتثبيته عليها، وازدياده منها، واستمراره عليها، وهو مفتقر في كل ساعة إلى إجابة الدعاء .
ومن هنا فإن المسلم يردد طلب الهداية من الله تعالى، وهو يناجيه في صلواته كلها، فريضة أو نافلة، عدة مرات في اليوم الواحد .
وقد اشتملت سورة الفاتحة في نصفها الأول على هذين النوعين من التوسّل، ثم ّ كان الدعاء بعدهما في النصف الثاني، بطلب الهداية من الله تعالى، وسلوك طريق الذين أنعم الله عليهم بالاستقامة والسعادة في الدارين.والله تعالى يأمرنا أن نسأله الهداية كما في الحديث القدسي:"يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم". ومما امتن الله تعالى به على نبيه صلى الله عليه وسلم: ما جاء في القرآن من قول الله عز وجل: "وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" الضحى:7 والمعنى أنه لم يكن عالما بهذا الوحي الذي أوحى الله تعالى إليه، كما قال الله عز وجل: "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ "الشورى:52.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه الهداية : "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى".
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليلِ افتَتَح صلاته: "اللهم ربَّ جِبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السَّموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكُمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لِما اختُلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي مَن تشاءُ إلى صراط مستقيم".
هذه مقدمة صلاتِه - عليه الصلاة والسلام - في جوف الليل، ولسانُه يلهَجُ بقوله: "اهدني".
وعند الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ما صلَّيتُ وراءَ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا سمِعْتُه يقولُ حينَ انصرَف: "اللهمَّ اغفِرْ لي خَطَئي وعَمْدي، اللهمَّ اهدِني لصالحِ الأعمالِ والأخلاقِ إنَّه لا يهدي لصالحِها ولا يصرِفُ سيِّئَها إلَّا أنت".
وكان يوصي أصحابه رضي الله عنهم وينصحهم بسؤال الله الهداية، عن علي رضي الله عنه قال: قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ، بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ، سَدَادَ السَّهْمِ".
يتبع