فانقسم الشارع الثقافي والأدبي بين التأييد والإدانة، كما انشطرت البيانات إلى مساندة وتضامن واستنكار وتجريم... أمام شراسة الهجوم عليه باعتبار أنّ «التطبيع خيانة عظمى»، يدافع كمال الرياحي عن نفسه معتبرا أنّ «التخوين كالتكفير تحريض على القتل».
اهتز الوسط الثقافي ولم يهدأ بعد الإعلان عن ترجمة رواية «المشرط « لكمال الرياحي إلى العبرية، وقامت الدنيا ولم تقعد على نقل رواية تونسية من العربية إلى العبرية بالرغم أنها ليست سابقة في الأدب ، إذ تم نقل مؤلفات أشهر الكتاب والشعراء إلى العبرية على غرار طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ومحمود درويش... فهل أن الترجمة من / إلى العبرية تطبيع مع الكيان الصهيوني ؟
لم أوقع أي عقد مع أي دار نشر إسرائيلية
منذ فترة أعلن كمال الرياحي عن ترجمة روايته «المشرط» إلى العبرية بعد أن تمت ترجمتها إلى عديد اللغات الأخرى بعد نجاحها في حصد الاهتمام والتتويج... إلا أنّ القطرة التي أفاضت الكأس- بالنسبة للبعض- كانت قيام مدير بيت الرواية كمال الرياحي بمشاركة خبر على صفحته بالفايس بوك يعلن عن صدور مقالا نقديا حول روايته المذكورة. وكان صدور هذا المقال في صحيفة «يديعوت أحرنوت» الصهيونية. وهو ما أثار حفيظة عدد من المثقفين والمؤلفين التونسيين الذين انتقدوا بشدة إقدام كمال الرياحي على هذه الفعلة معتبرين إياها خزيا وعارا وليست مدعاة للمفخرة أو النجاح. وكان رد فعل كمال الرياحي حذف هذه المشاركة على صفحته حيث أفاد جريدة «المغرب» بالقول:» قمت بنشر الخبر المذكور نقلا عن صفحة المترجمة الفلسطينية ريم غنايم دون تدقيق أو تثبت لأني كنت مشغولا بشأن مهم وفي عجلة من أمري ... لكن بعد أن رأى البعض أني أخطأت في هذا النقل قمت بحذف الخبر احتراما لهم ولو أن الأمر قابل للنقاش.»
في مرمى سهام الاتهام، تم قذف كمال الرياحي بتهم التطبيع والتعامل مع دار نشر إسرائيلية مقابل مبالغ مالية مغرية لترجمة روايته «المشرط « إلى العبرية... وهو ما نفاه مدير بيت الرواية ، موضحا ما يلي :» لم أوقع أي عقد مع أي دار نشر إسرائيل بل كان كل تعاملي مع المترجمة الشهيرة ريم غنايم وتنازلت لها حصريا عن حقوق ترجمة روايتي. وليس هذا الأمر وليد اليوم بل يعود إلى سنة 2009 عندما أعربت لي المترجمة الفلسطينية عن اختيارها نقل «المشرط» إلى العبرية في إطار مشروعها لترجمة الأدب العربي إلى العبرية وضمن سلسلة تشرف عليها بنفسها... ولكن بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية السريعة لم تر هذه الترجمة النور إلا مؤخرا. حيث أعلنت ريم غنايم عن صدور عملين أدبيين افتتحا السلسلة وهما مجموعة قصصية للكاتبة الفلسطينية شيخة حليوي وروايتي «المشرط». وبالرغم من توضيحي وتوضيح المترجمة بأنني لم أتواصل مع أي دار نشر ولم أقم بإبرام أي عقد وأن حقوق الترجمة تعود لها وحدها فللأسف يصر البعض على تلفيق التهم ظلما وبهتانا ونشر المعلومات الخاطئة التي لا تمت للحقيقة بصلة.»
أحترم كل المواقف لكن تهديد سلامتي الجسدية خطير
في تعليقه على بيانات التنديد والإدانة ومواقف عدد من المثقفين والروائيين والشعراء المتهمة له بالتطبيع على غرار إلغاء فضيلة الشابي لقاء لها ببيت الرواية وإصدارها لبيان في الغرض أعلنت فيها «رفضها القاطع التعامل مع الكاتب المطبّع مع الكيان الصهيوني»، قال كمال الرياحي: «أحترم كل المواقف سواء كانت تساندني أو تعارضني ... وأملك معلومة دقيقة بأن المحترمة فضيلة الشابي تمت هرسلتها لتكتب ما كتبت تحت ضغط التسرع والمغالطة. ولكن ما يزعجني هو التحريض على سلامتي الشخصية ووضعي وعائلتي تحت الخطر. وليس أمامي سوى اللجوء إلى القضاء لمحاسبة كل من يقف وراء حملات التجييش والثلب والشتم...
وبخصوص اعتزام بعض المثقفين التونسيين توجيه رسالة إلى الرئيس قيس سعيد للمطالبة بإقالته من بيت الرواية، أجاب كمال الرياحي: «إنّ بيت الرواية كان فكرة خامرتني لعقود فاقترحتها على سلطة الإشراف وتم تكليفي بتنفيذها رسميا في مدينة الثقافة. وقد عملت جاهدا على إنجاحها ووضع برنامج يليق بها ويرتقي بفن الرواية... لكني لا أتمسك بإدارتها وكل من يملك مشروعا محترما لتسييرها فليتفضل!
إلى جانب كمال الرياحي اصطف عدد من المثقفين العرب والتونسيين وعبّروا في بيانات تضامن ومساندة عن رفضهم «الوصاية السلطويّة على الأدب والفن، مؤكدين حق الكاتب في الدفاع عن رأيه دون إلحاق الأذي النفسي والجسديّ به» ... ومن هؤلاء المدافعين عن مدير بيت الرواية على سبيل الذكر لا الحصر: ليانة بدر شيخة حسين الحليوي وسام جبران من فلسطين والروائي الجزائري واسيني الأعرج والروائي اليمني علي المقري والروائية الليبية نجوى من شتوان...
كيف أكون مطبّعا... وقد منعت من دخول فلسطين؟
من الوسط الأدبي إلى البرلمان، احتل كمال الرياحي الاهتمام حيث اتهمه رئيس الكتلة الديمقراطية محمد عمّار بالتطبيع والخيانة العظمى في جلسة مساءلة وزير الخارجية. فهل من موقف لبقية الأحزاب والمجتمع المدني ؟ أكد كمال الرياحي أنّ «تهديد نائب البرلمان لسلامته الجسدية مر مرور الكلام دون أي اتصال من أي جمعية كانت أو أي حزب من الأحزاب دفاعا عن حقه في الحياة أولا وأخيرا».
وتساءل كمال الرياحي:» كيف أكون مطبّعا وقد منعتنا إسرائيل أنا وشكري المبخوت من دخول فلسطين سنة 2017 على إثر تلقينا دعوة من وزارة الثقافة الفلسطينية للمشاركة في فعاليات ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية؟ مضيفا: « هل ذنبي أني كاتب يعيش تحت الضوء ويتصرّف بعفوية وتلقائية في كل ما يتعلق بحياته الأدبية؟ إنّ كل أوراقي مكشوفة للعلن ولا أخفي شيئا عن قرائي... لهذا يتصيّد لي البعض ما يروهم إثباتات جريمة وما أراه أنا وضوحا وشفافية بعيدا عن السرية.
ما هو موقف كمال الرياح الواضح والصريح من التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ عن هذا السؤال أجاب كمال الرياحي «المغرب « قائلا بلهجة الواثق: «أنا ضد التطبيع إلى أقصى حد ودون شك. وأرجو من سلطاتنا الموقرة أن تحدد لنا ما هو التطبيع؟ ومن أين يبدأ وينتهي؟ وأن تقوم فعلا بتجريم التطبيع في الدستور... حتى نعرف بالضبط في أي حدود نتحرك؟ لكن أن تشحذ سكاكين المجزرة في وجهي فقط لأن روايتي ترجمتها فلسطينية إلى العبرية فإنها مهزلة غير بريئة ومصيدة غبية !