ربما لم يحمل أمراض الأجيال الأخرى، يقود أحلاما جديدة، لا تختلف عن جوهر الأحلام القديمة، أحلام .. جيل جديد تشكّل وعيه خلال السنوات العشر الماضية، حمل مشعل الحريات وأصرّ على حقه في تقرير مصيره، وكأنّ لسان حاله يقول أنّ الثورة لم تنته وأنّها استهلكت جيلها وتحتاج إلى جيل جديد سمّى نفسه بـ»الجيل الخطأ».
يقول مصطفى حجازي المفكر وعالم النفس اللبناني في كتابه «مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور»، يصل المجتمع المتخلِّف بالضرورة في مرحلة من مراحل تطوره إلى العنف، بعد شيوع العلاقات الاضطهادية، وهنا يتوجه العنف ضد القوى المسؤولة عن القهر (وهنا يقصد المتسلط الداخلي)، فقد يئس الشعب من إمكانية الوصول إلى الحق الذاتي بالرضوخ، ومن ثم ليس هناك من لغة ممكنة مع قوى التسلط سوى لغة مماثلة للغتها، لغة القسوة والغلبة».
جيل خطأ ترعرع على تعثرات الديمقراطية الناشئة، ووشّمه طيلة قرن عنف سياسي بلا حدود وصل حدّ الاغتيالات السياسية، جيل جديد يتحسّس مشروعا مجتمعيا مواطنيا، جيل يقطع مع معارك الأجيال السابقة البعيدة عن الشعارات التي حملوها، يقطع مع كل ما حملته الطبقة السياسية من معارك ليست بحجم الوطن. جيل جديد متمرّد على كل معارك السياسيين الطاحنة الخاوية، تلك المعارك التي لا تبالي بدفع النمو، ولا تبتكر القيمة والمعنى ولا تهمها بدائل تنموية ولا مقاربات علمية..
جيل نشأ على وقع فوضى السلط ، ورمى كل الصراعات السياسية عرض الحائط حيث الأزمة تغذي الأزمة، حيث ارتفاع دائم لمعدلات الفقر والبطالة وتراجع كبير للنمو، واستمرار غول التضخم وعجز الميزانيات وارتفاع الدين العام، جيل لم ير حلولا جذرية إلا مسكنات وقتية..
جيل جديد يتحسّس السلم الاجتماعية، ويصطدّم بكل ما قد لا يخرس لغة العنف بجميع أنواعه وألوانه وأشكاله واتجاهاته..
جيل جديد يبحث عن أحلام تتحقق في بلد لا يقتل الأحلام ولا يضطهد الحالمين، فوطنهم لا تعوزه الثروة بل يعوزها الإيمان بقيمة الإنسان وقيمة العمل.
جيل جديد يفكّر خارج صناديق الدولة وبرامج سياسييها وأحلام أو شعبوية شيوخها..
جيل جيل لجم مفردات النفاق الاجتماعي ونادى في شعاراته أيضا بالحقوق الفردية التي تلاشت في زحام الفوضى، والتي تمّ تناسيها في واقع تونسي مازال متحركا، لا استقرار فيه مطلقا. جيل يبحث عن الحرية في ظلّ انتكاسة متواصلة للحريات الفردية وحرية التعبير والضمير..
ربما لن ينجو الوطن إلا إذا امن بمواطنيه، وحلّق بأجنحته شبابه لا شيوخه، فتونس لا تحتاج إلى معجزة حتى تنطلق من رماد اليأس، فقط تحتاج إلىمشروع مجتمعي يحرّك كل القوى نحوه ويوحّد كل الطاقات لخلق الثروة وتحقيق الأحلام، نظام حكم جديد يتلاءم مع واقع البلاد وبديل تنموي يستشرف المستقبل بطاقات الشباب المهدورة، هذا الجيل الذي يبحث عن الحرية ليستخلص النظام لا الفوضى..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.