تتماهى ومع ما يكتمه المرء من شعور بالفرح او الحزن، وفي تجربتها التشكيلية تحاول الفنانة ليلى قدرية ان تغوص بعيدا في روح الانسان تحاول البحث داخل تجاويف القلب عن همسات العشق فترسمها بألوان زاهية وتدغدغ مكامن الخوف فتضعها امام المتفرج باللون الرمادي الذي يشبه العاصفة في هدير امواجها المخيفة.
الريشة كما المطر عنوان للخصوبة والحبّ ولان النساء يملن عادة للبهاء ويحاولن دوما رسم الحبور والسعادة تحضر بكثافة مواضيع الحياة والجمال في اعمال الفنانة التشكيلية، من الطبيعة بالوانها الزاهية تستلهم اغلب لوحاتها، فتجدها تنقل البهجة في شكل ورود زهرية تنعش البصر وتدفعك لمحاولة الاقتراب اكثر لعلّك تمسك بشذاها تستنشقه وتستشفّ ما خلفه من حبّ وسحر فللورود بهاؤها وللورود قصص العاشقين، لوحة وكأنها تلخّص قول الشاعر:
أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُوناً،
كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ كأنّ بوَجهِهِ،
لمّا تَوافَتْ نجُومٌ في مَطالِعِها سُعُودٌ بَياضٌ في جَوانِبِهِ احمِرارٌ،
كما احمرّتْ من الخجلِ الخدودُ
تواصل الريشة معانقة الحلم تواصل شدّ انتباه المتفرج لسحر الطبيعة تخلبه وتسرق القليل من وقته ليقف ويشاهد حركة الريشة ومغازلة الالوان للوح الابيض فيجد نفسه امام اعمال مشحونة حيوية وعنفوانا.
في اعمل ليلى قدرية للألوان اطلالتها البهية المؤثرة على الذاكرة البصرية، مزيج من الالوان الزاهية و الالوان الحية التي تسكن اللوحة وكانها شيفرات للحبّ توزعها الفنانة على لوحاتها.
الطبيعة ببهائها منها تنطلق الرسامة، من جمالها تستلهم التفاصيل وتضيف من روحها الكثير فتسكن اللوحة بما يشبه الشبق اثناء الرسم فتكون الورود بلونها الاحمر القاني تسبح وسط السواد كأنها تخرج المتفرج للعمل من دائرة الضبابية الى تباشير الأمل، و البحر الممتد بزرقته وانبساطه منه تتعلم الرسامة ان تترك للريشة حرية السباحة على الفضاء الابيض تترك لها حرية نشر اللون فتاتي الحركة التشكيلية مسكونة بالحبّ و الجمال وتمتع الناظر وربما استحضر بعض القصص عن جمال البحر وزرقته والهدوء النفسي الذي يبعثه في قلب متأمله كما البلسم.
ممتعة هي الفرجة في الورود ساحرة عملية تتبع الريشة وهي تصنع الخط ثم تجعله دوائر قبل ان ياخذ الشكل النهائي للوردة واللوحة احيانا تكون جزءا واحدا ومرات تقسم الى اكثر من جزء وتلك عملية اصعب في الرسم والتجسيد، بهيّ هو الشغف الذي ترسم به ليلى قدرية لوحاتها، اعمال تصحبك الى بهاء الطبيعة تتجاوز الجدران البيضاء الخانقة وترحل الى عوالمها الى افق ممتدّ تتأمل فقط رقصات الورود وتنصت لموسيقى الطبيعة ذاك المزيج الهائل من الاصوات يدخل الى قلبك يكشف اعماقك لتترك ابتسامة تشبه ابتسامتك وأنت تتأمل جمال الورود هي تتفتح في سويعات الصباح الاولى.
الرسم هو محاولة لقراءة ما يخفي الانسان عن الآخرين محاولة استكشاف اغوار القلب البشري وبسطها امام العموم بطريقة شاعرية فنية، الرسم هو محاكاة للفرح والترح ومحاولة متجددة لرسم الامل وسط الكثير من السواد الذي يعيشه الفنان زمن الكورونا، ولان الخوف جزء من الاحساس البشري رسمته ليلى قدرية من خلال الالوان فاستعملت الاحمر المائل الى البرتقالي الذي يرمز عادة للغروب وساعة الغروب او ساعة رحيل الشمس عادة ما تكون عنوان للأرق النفسي.
للرمادي مكانته في رسم الخوف، ذاك اللون المبهم الذي يجعلك في حيرة امام اللوحة، الرمادي في اللوحات عنوان للغموض ربما هو غموض واقع الفنان زمن الاوبئة، او سؤال تطرحه الفنانة عن المستقبل وعما ستخلفه الازمة في الانسان عموما والفنان على وجه الخصوص، الرمادي تمزجه مع القليل من البياض في اعمال اخرى وكأنها تؤكد ان الامل قائم و هناك دوما شعاع من نور الشمس يطلّ وسط الامواج المتلاطمة التي تفننت ليلى قدرية في رسمها.
تجربة تشكيلية تصنعها الرسامة بهدوء، ابنة قصيبة المديوني تعلمت من البحر الثبات في رسومها تمزج مدارس مختلفة تارة تجدها صادقة كما المدرسة الطبيعية تنهل منها الكثير من الاشكال وأحيانا تمزج الوانها بطريقة مختلفة فتكون رومانسية وكأنها كلمات غزل تنساب على البياض ومرات تميل الى التجريد والتجريب فتكتفي بالشيفرات والألوان الداكنة وتترك للمتامل الحرية في تأويل اللوحة وقراءتها لان الفن عالم مفتوح ونوافذه مشرعة على الامل والجمال والحرية.
الثقافة في قصيبة المديوني: معرض للفنانة ليلى قدرية.. نوافذ الفن مشرّعة على الأمل
- بقلم مفيدة خليل
- 10:38 28/11/2020
- 1498 عدد المشاهدات
تكتب الريشة ما تعجز الافواه عن البوح به، تنصت الريشة لنبضات القلب وتحوّل همسات العشق الى الوان وخطوط وحركات تشكيلية