أما الثقافة فهي الخطر الداهم ومصدر العدوى، وغلق فضاءاتها سيقي البلاد والعباد من الفيروس المنتشر كالنّار بين الهشيم في كل الولايات وكل الجهات ! ولن يجوع أهل الفن أو تمس الحاجة أبناء الثقافة فهم كائنات خارقة لا تتأثر بجوع أو مرض أو فقر! ضمن هذه المعادلة المضحكة، المبكية ذهب في ظن الحكومة أن منع التظاهرات الفنية والثقافية سيوقف زحف الوفاء وشر البليّة! ولا بأس من تقديم الثقافة في كل مرّة كبش فداء والتضحية بها قربانا للاقتصاد! لم يثبت أبدا أنّ أي حدث ثقافي أو حفل فني كان سببا في حالات عدوى أو إصابة، فلم التجنّي على الثقافة؟ ولم يحدث أن خالفت الفضاءات الثقافية العمومية أو الخاصة البرتوكول الصحي أو تلكأت في القيام بحملات تعقيم ونظافة... فلم تأخذ بذنب غيرها ظلما وبهتانا؟
في ساحة المسارح بمدينة الثقافة، اجتمع أمس الاثنين فنانون وممثلو الهياكل النقابية للتنديد بقرار الحكومة الأخير والاحتجاج ضد إلغاء التظاهرات الثقافية. في احترام للتباعد الجسدي والتزام بالبرتوكول الصحي، دافع المحتجون عن حقهم الشرعي في عدم تعطيل مورد رزقهم وتجفيف مورد قوتهم... فإذا بوزير الشؤون الثقافية يفاجئ الجميع ويلتحق بالوقفة الاحتجاجية للفنانين دون سابق إنذار! دعا الوزير الجماعة إلى اجتماع في أحد قاعات مدينة الثقافة حتى يستمع لشواغلهم ويسجل مطالبهم ... تحدث الكثيرون على غرار سلمى بكار وجمال العروي وحافظ خليفة وزينب الفرشيشي ونقل كل منهم إشكالات قطاعه وهموم زملائه إلا أنهم اتفقوا على مطالبة الوزير بأخذ قرار جريء وشجاع يقضي بمواصلة الأنشطة الثقافية وعدم تأجيل أو إلغاء التظاهرات واللقاءات الفنية.
أمام ضغط الفنانين ومطالبتهم باصطفاف الوزير إلى جانبهم في «معركة « الدفاع عن فنّهم وقوتهم، وعد وزير الشؤون الثقافية بالوقوف إلى جانبهم ولو كلّفه ذلك الإقالة. فهل تصدق الوعود؟
لازالت مخلّفات الحجر الصحي الشامل الذي انطلق في شهر مارس الماضي تلقي بظلالها على قطاع الثقافة حيث دفع الفنانون الثمن باهظا وعانوا من البطالة والعطالة وتوّقف العروض لأشهر طويلة. حوالي 700 تظاهرة ثقافية ومناسبة فنية تم تعليقها آنذاك، مما دفع وزيرة الشؤون الثقافية السابقة شيراز العتيري إلى الإعلان عن إحداث صندوق مشاركة بعنوان «حساب دفع الحياة الثقافية»، لجمع الهبات والتبرعات لفائدة القطاع وأهله... وإلى اليوم لم يتحصل الكثير من المتضررين على هذه المنح ولازالوا يكابدون الأمرّين في الحصول على بضعة الدنانير عساها تقيهم الحاجة ولو إلى حين!
فهل سيتحمل الفنانون أزمة مادية ثانية وهم لم يشفوا بعد من اختناق الأزمة الأولى؟ هل فكرت الحكومة في بدائل تحفظ قوت الفنان بعد إيقاف أنشطته ومنع عروضه؟
في الساعات الأخيرة، رحل الفنان القدير حسن الهرماس في أرذل العمر بعد مسيرة ثرية لم تحفظ كرامته ولم تؤمن له حياة كريمة حتى قضى نحبه داخل «وكالة»!
ليس حسن الهرماس الفنان الوحيد الذي رحل في صمت وبؤس بل مات قبله كثيرون ممن ينطبق عليهم قول الدوعاجي «مات يتمنى في عنبة مات جابولو عنقود»، ولن يكون البائس الأخير طالما أن هذا الوطن لا يحترم فنانيه وطالما أن هذه الحكومات تبخس مكانة الثقافة رغم أنها قاطرة لتقدم الشعوب وتشييد صرح الحضارة وبناء الإنسان الواعي والمسؤول حتى في زمن الكورونا !
احتجاجا على قرار الحكومة بمنع التظاهرات الثقافية: فنانون يصرخون: «لن تمنعونا باسم الكورونا... قوتنا في خطر!
- بقلم ليلى بورقعة
- 10:33 06/10/2020
- 811 عدد المشاهدات
لا لغلق المقاهي والمدارس والمصانع والمساجد وحتى الملاهي الليلية... فالحياة تستمر ولا سبيل لإيقاف عجلة الاقتصاد والعودة إلى الحجر الصحي الشامل.