لهول المصيبة وزمجر الناس من كل حدب وصوب مطالبين بإعدام الجاني بلا شفقة. كل فرد هو حرّ في مواقفه سواء اختار مناهضة عقوبة الإعدام باعتبارها منافية لحقوق الإنسان أو اصطف وراء المناداة بتطبيق هذا الحكم وكأنه الحل السحري لانتهاء كل الجرائم واختفاء كل المجرمين !
لكن أن يصل الأمر إلى الخروج عن حدود اللياقة إلى حدّ الحماقة بين أنصار عقوبة الإعدام و الرافضين لها، فهذا بلا شك خطاب غير مقبول ينّم عن «عنف رمزي» دفين يطفو إلى السطح عند كل اختبار لحرية التفكير وفي كل امتحان لديمقراطية التعبير.
مما «زاد الطين بلّة» أن يكون مصدر هذا العنف وهذا اللغو والغلو في الرأي نائب بمجلس نواب الشعب من المفترض أن يكون قدوة ولو لمن منحه صوته وأوصله إلى مقعد البرلمان. لا أحد أجبر النائب فيصل التبيني على الوقوف ضد عقوبة الإعدام ولم يتدخل أي كان في خياراته الفكرية أو مارس عليها عنفا لفظيا أو معنويا... فما باله أطلق العنان للسانه نيلا من كرامة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة لأنها تخالفه الموقف وتدافع عن منظومة لا تتجزأ لحقوق الإنسان. في تدوينة على صفحته الرسمية بالفايس بوك، قال النائب فيصل التبيني: «ناس كبدتها محروقة وهي تقلك لا للإعدام راهي بشري بالحاج حميدة رافضة عقوبة الإعدام على المغتصبين والقتلة ليس من باب حقوق الإنسان بل لأنها متأكدة أنها مستحيل تتعرّض للاغتصاب ولا أحد ينظر إليها كأنثى أصلا حتى يفكر في اغتصابها».
أمام الجدل والغضب والحنق بسبب هذه التدوينة التي تنّم عن عقلية متخلفة ومرجعية ذكورية متزّمة، أطل فيصل التبيني عبر فيديو على صفحته بالفايس بوك ليتنصل من هذه التدوينة معلّلا بأنه أملى موقفه على المسؤول عن صفحته إلا أن هذا الأخير أخطأ في فهم مقصده ... فكتب ما كتب !
صحيح أن فيصل التبيني اعتذر إلى المناضلة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة ولكنه كان اعتذارا مقننا ومشروطا، بمعنى أنه متى صمتت المعنية بالأمر عن الرد عليه بقي الاعتذار قائما وإلا فأنه سيكرر مقولة «لا أحد سيغتصب بشرى بلحاج حميدة لأن لديها سيارة وسائق» حسب التفسير «العبقري» للنائب فيصل التبيني!
بعد أن «صمت دهرا ونطق كفرا» قال فيصل التبيني «إن جماعة حقوق الإنسان هم خطر على حياتنا وأمننا ويقودوننا إلى الهاوية». كما هاجم كل من اعترض على مسه من كرامة بشرى بلحاج حميدة بأساليب رخيصة لم تحترم الحياة الشخصية للأفراد واصفا إياهم بجماعة «عنقني» والتقدميين والمخالفين لشرع الله بالمطالبة بالمساواة في الميراث»...
لئن كانت الجريمة في علم النفس التحليلي تُعرّف بأنها «إشباع لغريزة إنسانية بطريقة شاذة لا يسلكها الإنسان العادي، وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة لحظة ارتكابها» فإن المغتصب لا يفرّق بين ضحاياه على أساس معيار الجمال أو الأنوثة أو الشباب... وفي تونس لم تسلم حتى الرضيعة ولا المسنّة من جرائم اغتصاب شنيعة. فكفى بالفعل الذكوري تبريرا أنانيا والتعامل مع الحريات الفردية على أساس طرح جندري يحاكم المرأة الضحية ولو بطريقة ضمنية ومبطنة لأنها تقاسمت معه الفضاء العام واختارت حرية لباسها وتفكيرها وتعبيرها...
أن يكون مجلس النواب هو المصدّر للعنف بدل المشرّع لقوانين مناهضة العنف بكل أشكاله، فهذه نائبة من نوائب الدّهر تستدعي التأمل والتدبر قبل فوات الأوان !
مرايا وشظايا: فيصل التبيني و»نوائب» مجلس النواب!
- بقلم ليلى بورقعة
- 09:47 30/09/2020
- 1186 عدد المشاهدات
قُتلت «رحمة» على يد مجرم انتزعت من قلبه الرحمة، كما ماتت قبلها كثيرات في جرائم وحشية وفظيعة. فاهتّز الشارع التونسي