المنصف لسينما الجنوب. أكثر من خمسين عاما من الإبداع والإشعاع، وأكثر من نصف قرن من البناء والتأسيس في عمر المهرجان العريق الذي يقف اليوم على أعتاب الماضي باحثا عن آثار ذاكرته وأرشيف منجزاته، كما يقف متطلعا إلى المستقبل متسائلا عن القادم والآتي... عن تفاصيل هذه الدورة الاستثنائية التي تلقي بنظرة إلى الوراء وتنظر بعين أخرى إلى الأمام، كان لنا الحوار التالي مع المدير الفني للمهرجان، المخرج والمنتج إبراهيم اللطيف:
• لن تغيب أيام قرطاج السينمائية هذا العام بالرغم من انتشار الكورونا وتردد مهرجانات العالم بين الانتظام والاحتجاب، ماذا عن الاستعدادات لهذه الدورة الاستثنائية التي تنعقد من 7إلى 12 نوفمبر 2020؟
رغم الوضع الإستثنائي، لا استغناء عن أيام قرطاج السينمائية هذا العام. نحن في اتصال مباشر مع وزارة الصحة لتطبيق البرتوكول الصحي وتحيينه حسب تطورات الوضع. كما سيتم توزيع محطات المهرجان وفقراته داخل القاعات وفي فضاءات خارجية احتراما لتنفيذ الشروط الصحية. نحن بصدد الاستئناس بتجربة مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي والاتصال بالمسؤولين عليه للاطلاع على خبرتهم في إنجاح الدورة الأخيرة للمهرجان والتي كانت نموذجا في التحدي وتجاوز المخاطر بالرغم من أن إيطاليا كانت من أوائل بؤر الوباء في العالم. لا ننكر أن هيئة المهرجان وجدت نفسها أمام ثلاث خيارات: إما إلغاء الدورة أو الإبقاء عليها كما هي في نسخها الفارطة أو تنظيم دورة استثنائية تماشيا مع مستجدات الوضع الصحي. وفي نهاية المطاف، كان القرار بالإجماع بأن يحافظ المهرجان على موعده السنوي دون تغيير مع الاضطرار إلى حجب المسابقات الرسمية. ونحن على استعداد وثقة بأن مهرجان أيام قرطاج السينمائية سينجح باعتباره أول حدث ثقافي ضخم بعد الكورونا في إعادة الحياة إلى تونس.
• هل من فكرة عن الملامح العامة للدورة 31 لأيام قرطاج السينمائية ، وهل من بسطة عن أهم المستجدات والرهانات ؟
كان قدر الدورة الـ31 للمهرجان أن تكون استثنائية في كل شيء، على مستوى الشكل والمضمون. وفي هذا الإطار ستكون سهرة افتتاح المهرجان طريفة وغير عادية من إنتاج المركز الوطني للسينما والصورة وأيام قرطاج السينمائية. في حفل الافتتاح، سيتم عرض ستة أفلام قصيرة مستوحاة من أفلام طويلة عرضت سابقا على امتداد تاريخ المهرجان وبقيت مطبوعة في الذاكرة وخالدة في الوجدان. وهي «المصباح المظلم في بلاد الطرنني» للمخرج «طارق الخلادي» في اقتباس حر عن فلم «في بلاد الطرنني» إنتاج 1973، وفلم «الوقت الذي يمضي» « للمخرجة سنية الشامخي في استلهام من فيلم «شمس الضباع» للمخرج رضا الباهي وفلم «سوداء 2» للمخرج الحبيب المستيري وهو مستوحى من فلم المخرج السينغالي عصمان صمبان الحائز على أول تانيت ذهبي في أيام قرطاج السينمائية سنة 1966، وفلم «السابع» للمخرج «علاء الدين بوطالب» وهو إعادة صياغة محاكية لفيلم «العرس» للمسرح الجديد. أما الفلم الخامس فسيكون بعنوان «على عتبات السيدة» للمخرج فوزي الشلي في استلهام من فلم «السيدة» للمخرج محمد الزرن والذي سيعود بدوره إلى ملعب «السيدة» ليسدّد ضربات البطولة في هذا الفلم القصير».
أما الفلم الأخير فيحمل عنوان «ماندا» للمخرج هيفل بن يوسف وهو مستوحى من فلم «الحوالة « للمخرج عصمان صمبان.
عموما ستكون الدورة الـ31 شاشة لاستذكار أمجاد المهرجان واسترجاع الأفلام الفارقة في تاريخه حتى ولم تحظى بالتتويج. أيضا سيتم الاحتفاء بعروض جديدة ضمن سهرات خاصة.
• أنت تعود إلى الإدارة الفنية للمهرجان بعد تجربة دورتين متتاليين تركت فيهما بصمة تأسيس «أيام قرطاج السينمائية في السجون»، فهل تعد الدورة 31 من الأيام بالطريف والجديد؟
طبعا سيواصل المهرجان النفاذ إلى ما وراء القضبان واقتحام عزلة السجون في دورة هذا العام. ومن مميزات هذه الدورة كذلك إعادة تظاهرة أيام قرطاج السينمائية في الجامعات والتي كانت تجربة ناجحة سنتي 2015 و2016 في جامعة منوبة بالتعاون مع العميد الحبيب الكزدغلي. ومن مستجدات وابتكارات الدورة 31 الانطلاق في تجربة جديدة بالتعاون مع إذاعة خاصة تتمثل في التنقل عبر حافلة هي عبارة عن قاعة سينما للوصول إلى أطفال المدارس في الجبال والمناطق النائية حتى يتعرفوا على السينما عن قرب وتنشأ بينهم وبينها علاقة اهتمام وحب. ومن المنتظر أن تتواصل هذه التجربة حتى بعد انتهاء الموعد الرسمي لأيام قرطاج السينمائية.
• احتج عدد من السينمائيين على تغييب أهل المهنة وعدم توجيه الدعوة لأبناء القطاع للإدلاء بدلوهم في ورشة «مستقبل أيام قرطاج السينمائية» التي انتظمت مؤخرا بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية بسيدي بوسعيد ؟
كان لابد من الوقوف وقفة تأمل لمراجعة المهرجان العريق على مستويات الهيكلة والتنظيم والتمويل... إضافة إلى جمع شتات الأيام منذ التأسيس سنة 1966 إلى اليوم وتوثيق ذاكرتها لتكون في متناول المختصين والسينمائيين والنقاد والباحثين وكل جمهور المهرجان. وبالتشاور مع الوزيرة السابقة شيراز العتيري قررنا أن تكون أيام قرطاج السينمائية تحت عنوان: «أمس، اليوم وغدا»، في هذا السياق اعتمدنا شعارا بسيطا للمهرجان يختزل الفلسفة العامة لدورته 31 تحت تسمية «أيام قرطاج السينمائية 1966 – 2020».
في هذا السياق نظمنا ثلاث ورشات تحاول تقييم كل مكتسبات وحاجيات المهرجان، حيث اهتمت الأولى بالتسويق وسلطت الورشة الثانية الضوء على إشعاع المهرجان في الخارج أما الورشة الثالثة فاهتمت بأرشيف أيام قرطاج السينمائية. وقد حضر السينمائيون حسب تعدد الاختصاصات وتنوّع الاهتمامات هذه الورشات الثلاث. وفي الأخير جاءت الورشة الرابعة تحت عنوان مبحث مهم وهو مستقبل الأيام وقد افتتحها الوزير الجديد وليد الزيدي كأول نشاط له نظرا لأننا كنا قد وجهنا دعوة إلى الوزيرة السابقة شيراز العتيري، أما بقية الحضور فكان من بينهم سينمائيون وممثلون عن الهياكل المهنية والنقابية وكذلك رجال قانون مثل غازي الغرايري وخبراء اقتصاد على غرار حكيم بن حمودة لأننا في حاجة إلى هؤلاء المختصين والخبراء لصياغة المقترحات النهائية للقانون الأساسي للمهرجان وغيرها من المسائل المتعلقة بالتشريعات والهيكلة والتمويل...
• هل يمكن القول أن هذه الدورة الاستثنائية للمهرجان ستثمر عن مقترحات عملية لوضع قانون أساسي للمهرجان؟ وهل ستسفر هذه الورشات عن إنقاذ أرشيف المهرجان وجمع شتات ذاكرته المتناثرة هنا وهناك؟
في منتدى «أيام قرطاج السينمائية: الماضي، الحاضر والمستقبل» الذي سيكون العمود الفقري لبرمجة الدورة 31 ستتم حوصلة كل المقترحات التي انتهت إليها الورشات الأربع سابقة الذكر والمنبثقة أساسا من اقتراحات السينمائيين وأهل المهنة. كما سنقوم بالاستئناس بتجارب المهرجانات الكبرى إما عن طريق الحضور المباشر إذا سمحت بذلك الظروف الصحية أو عبر التواصل عن بعد . والهدف هو وضع صيغة لمشروع قانون أساسي للمهرجان يليق بتاريخه وسمعته وإشعاعه...
على مستوى التوثيق، حزّ في أنفسنا كثيرا تبعثر ذاكرة المهرجان وعدم العثور على حلقات مفصلية في تاريخها، فانطلقنا بالتعاون مع المكتبة الوطنية والمركز الوطني للأرشيف ومؤسسة الأرشيف الوطني والتلفزة التونسية وكل الأطراف المتداخلة في جمع كل ما يمكن الوصول إليه من مادة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو فوتوغرافية... من أجل الأرشفة والرقمنة.
للأسف الشديد، اندثر الكثير من ذاكرة ولم يبق له أثر. وقد استنجدنا بكل من يملك وثيقة تتعلق بالمهرجان وكل من يحتفظ بأرشيف خاص أن يمدنا به في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبعد انتهاء الدورة 31، تعهدنا بمدّ المكتبة السينمائية بكل ما وصلت إليه أيدينا من أرشيف مهرجان عريق تجاوز نصف القرن من إعلاء راية الفن السابع وحمل هواجس الشعوب والدفاع عن قضايا الأقليات .
• هل ستعملون على الحفاظ على هوية أيام قرطاج السينمائية كعنوان لسينما الالتزام والمقاومة والنضال... ؟
بكل تأكيد، ولولا هذه الميزة المتفردة لما بقي المهرجان صامدا وثابتا إلى اليوم مرتكزا على ثلاث نقاط قوة وهي : الجمهور والهوية العربية الإفريقية ووجود النقد السينمائي. وهنا أتوّجه بنداء إلى كل السينمائيين من أجل الالتفاف حول هذه الدورة الاستثنائية لأنها ستكون حاسمة في تقييم المنجز السينمائي للمهرجان والتخطيط لمستقبله حتى يبقى منارة إشعاع دائما وأبدا.