المدير العام للمسرح الوطني فاضل الجعايبي لـ«المغرب»: تسلمت المسرح الوطني في حالة خراب وسأسلمه وهو منارة إشعاع

بعد ست سنوات من العمل والاجتهاد لم تخل من الجدال والخصام، قضاها الفنان القدير فاضل الجعايبي مديرا عاما لمؤسسةالمسرح الوطني، يستعد صاحب «يحي يعيش» و»تسونامي» و»العنف» و»الخوف»... إلى حزم حقائبه ولململة أوراقه وما بقي من أحلامه ومغادرة المسرح الوطني بعد انتهاء العهدة ليواصل النضال والدفاع عن هيبة المسرح الراقي والجاد على مسارح أخرى قد تختلف عناوينها وتفاصيلها لكنها تلتقي عند ركح الحياة.
• من أهم إنجازاتكم في إدارة المسرح الوطني تأسيس «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية»، واليوم لا زال باب الترشح مفتوحا للالتحاق بدورتها السابعة... لمً الرّهان على هذه المدرسة وما مدى قدرتها على تكوين الفنان المسرحي المتمكن من ركحه والمتحكم في أدواته والمؤثر في جمهوره؟
كان تأسيس «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية» حلما سعيت إليه وسعدت بتحقيقه. هذه المدرسة الوحيدة والفريدة من نوعها في تونس تمثل مكسبا لحاضر المسرح التونسي ومستقبله لأنها تضع حدّا للبس في مفهوم الممثل المسرحي وشروط اللعبة المسرحية التي هي حرفة لها خصوصيتها وتقنياتها وطقوسها من أجل المرور إلى حذق الصنعة وممارسة المهنة.
في دورتها السابعة ، ستقدم المدرسة تكوينا نظريا وتقنيا وتطبيقيا يديره مجموعة من أبرز المحترفين والجامعيّين التونسيّين في إطار دروس نظرية، ورشات تطبيقية، تربصات و ماستركلاس. ويدوم التكوين سنتين، بداية من شهر أكتوبر 2020 إلى موفى شهر جوان 2022 ، بنسق37 ساعة في الأسبوع. وذلك قصد التمكن من أصول اللعبة المسرحية ومواجهة الركح والجمهور.
وتختتم مرحلة التكوين بمناظرة تخرّج يتمّ على إثرها انتداب النّاجحين لإنتاج عمل مسرحي مع مخرجين من خيرة الفنانين بمقتضى عقد فني تمهيدي تكميلي للحياة المهنية لمدة 6 أشهر على الأقل ومقابل أجر مادي. وتخوّل شهادة التخرج الحصول على بطاقة الاحتراف المهنية.
• هل تضمن مدرسة «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية» إدماجا لخريجيها في سوق الشغل؟ وما مصير هذه المدرسة بعد انتهاء عهدتكم على رأس مؤسسة المسرح الوطني؟
بكل تأكيد ستتواصل «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية» لأننا نجحنا في وضع قانونها الأساسي الذي يضمن لها البقاء واستمرارية نشاطها. لا نقاش ولا تراجع عن مكاسب هذه المدرسة لأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من مفاصل مؤسسة المسرح الوطني. وقد كان التركيز في الدورات السابقة على فن الممثل وستواصل المدرسة التكوين في اختصاصات أخرى من كتابة وإخراج وسينوغرافيا ووظائف تقنية... كنت سأسف كثيرا لو غادرت المسرح الوطني دون تأسيس مدرسة الممثل التي هي ثمرة اجتهاد فريق من أبرز المختصين في المجال على غرار شخصي المتواضع وجليلة بكار والراحلة رجاء بن عمّار وقيس رستم وحسن المؤذن ومحمد مومن ومعز سفطة وسندس بلحسن...
أما عن مصير خريجي مدرسة الممثل الذين يفوق عددهم 100 شاب فأمامهم آفاق كثيرة ومسارب متعدّدة. صحيح أن سوق الشغل ضيّقة وتعجّ بطالبي التشغيل حتى وإن كان بعضهم من غير أصحاب الكفاءات، إلاّ أن مدرسة الممثل تضمن فرصة العمل صلب مؤسسة المسرح الوطني وكم من خرّيج يشتغل اليوم هنا في هذه المؤسسة، في حين اتجه البعض الآخر للتدريس، والتحق آخرون بمراكز الفنون الدرامية والركحية، وفتح عدد من الخريجين شركات إنتاج خاصة وهناك من غادر البلاد للعمل في الخارج...
• بعد أشهر قليلة ستسلم مهام المسرح الوطني إلى مدير جديد بعد اختياره على أساس الترشح لا التعيين، كيف تقيّم هذا الخيار وما وصيّتك لمن سيأتي بعدك؟
أنا من اقترحت على الوزيرة السابقة شيراز العتيري اعتماد هذه الصيغة في تعيين مدير جديد للمسرح الوطني . شخصيا قبلت هذا المنصب عندما اقترحه عليّ الوزير السابق مراد الصكلي على مضض وبشروط لأنني أرفض توزيع المسؤوليات دون وجود معيار الكفاءة أولا وأخيرا . لقد جرت العادة في جل القطاعات على التعيين على أساس العلاقات والمجاملات وحسابات الأحزاب. ثم تنهمر التساؤلات: لماذا انهارت هذه المؤسسة أو تراجع ذلك القطاع ؟
إن تعيين مدير جديد للمسرح الوطني على أساس الترشح وتقديم مشروع وتصوّر هو عين الصواب والعقل حتى تحافظ هذه المنارة المسرحية على مكانتها وإشعاعها... أمام المدير الجديد رهانات كبيرة ومسؤولية أكبر تحتاج إلى مهارة وكياسة وكاريزما وفصاحة وشبكة علاقات واتصال واستشراف وبعد نظر...
أوصي المدير الجديد خيرا بإنجازات ومكاسب المؤسسة على غرار «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية»... وأدعوه إلى مواصلة المشوار على درب الإصلاح والتطوير وتقديم الأفضل والأرقى على الدوام. والكل شاهد على أني تسلمت المسرح الوطني سنة 2014 في حالة خراب ليصبح في سنة 2020 أيقونة مسرحية تشع محليا وعالميا ...
• علمنا أنك قبل الرحيل من المسرح الوطني ، ستطل على جمهور الفن الرابع بمسرحية جديدة من إخراجك بعنوان «مارتير» هل تحدثنا عن هذا المشروع الجديد وما يقترحه من جماليات ورؤى؟
طيلة فترة إدارتي لمؤسسة المسرح الوطني أنتجنا 24 مسرحية ، من بينها اثنتان من إخراجي وهما «العنف» و«الخوف» . وجاءت هاتان المسرحيتان في صيغة مخضرمة بمعنى الجمع ببن ممثلين كبار وخريجي مدرسة الممثل على ركح واحد.
ولأول مرّة مسرحية «مارتير» ستقتصر على شباب مدرسة الممثل . أيضا قل وندر أن نعتمد على نصوص أجنبية أو محلية ليست من كتابة جليلة بكار أو تصور «فاميليا» عموما، لكن في هذه المرة سنعتمد نصّا عالميا لكاتب ألماني لنسلط الضوء على ظاهرة التطرف الديني عند المسيحيين في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الانحرافات الإسلاموية عند المسلمين فقط هذا التفكيك لثقافة التطرف عند طائفة من معتنقي الدين المسيحي والتأويل السلبي والعنيف للأديان ستدور أحداثه داخل مدرسة أبطالها مراهقون وأساتذة وأولياء... . ومن هناك سنبرز أن المنظومة التربوية هي التي تبني الحضارة أو تصنع الكارثة !
قبل العروض الأولى لمسرحية «مارتير» أيام 9 و10 و11 أكتوبر2020 اختبرنا العمل في عرضين أمام فريق مضيّق من الأصدقاء والزملاء فكان وقعهما عليهم كبيرا ومؤثرا إذ نالت كمّا هائلا من الإقناع والإعجاب.
• هل ترى أن وزير الشؤون الثقافية الجديد وليد الزيدي الرجل المناسب في المكان المناسب ؟
بعيدا عن المتاهات التافهة من قبيل أنه رجل ضرير ومن ذوي الاحتياجات الخصوصية يكمن المشكل الحقيقي في أنه لا يمتلك خبرة في الإدارة وليست له دراية بالميدان ولا معرفة له بخبايا هذا القطاع الكارثي الذي يزداد تأزما وإرباكا وانهيارا ... ليس المهم أن يكون الوزير ابن الوزارة بل الأهم أن يكون عالما بعلل المنظومة الثقافية ومواطن خللها وليس «دخيلا» فاقدا للخبرة وصغيرا في السن والتجربة. إن الثقافة لدينا فعلا في حالة احتضار!
• هل يفكر فاضل الجعايبي في توثيق تجربته الخصبة الإنتاجات والثرية المسارات منذ البدايات مرورا بـ»المسرح الجديد» وصولا إلى «فاميليا» وأخيرا وليس آخرا «المسرح الوطني» ؟
فعلا إن الكتابة في هذا الشأن شغلي الشاغل وقد انطلقت في ذلك في فترة الحجر الصحي إلا أن الأمر يحتاج تفرّغا ووقتا لحوصلة عمر من البناء والتشييد والتأسيس من أجل بناء مسرح يرتقي بالذوق العام ويحرض العقل على البحث والتفكير. ولولا رفيقة الدرب الفنانة جليلة بكار لما كان لهذا الحلم أن يتحقق وهذا المشروع أن يتواصل إلى اليوم.
وتوثيقا لذاكرة المسرح التونسي كنت قد شرعت صحبة حسن المؤذن في إعداد كتاب عن تاريخ مؤسسة المسرح الوطني منذ تأسيسه سنة 1983 على يد الراحل منصف السويسي مرورا بفترة إداراته من طرف محمد إدريس ومن بعده أنور الشعافي وصولا إلى الآن. أرجو أن تمهلنا الأيام الوقت والجهد لتأريخ كل منجز مسرحي أضاف للفن الرابع الكثير لأن الناس ينسون بسرعة والذاكرة قصيرة والحقيقة قد تحضر وقد تغيب !