مدير جديد للمسرح الوطني التونسي خلفا للمديره الحالي فاضل الجعايبي، استرعى الانتباه وأثار الاهتمام لا لقرار التعيين في حدّ ذاته بل لطريقة التسمية على رأس هذه المؤسسة العريقة.
في عهد الوزير البشير بن سلامة تم بعث المسرح الوطني التونسي سنة 1983 بهدف تنمية المسرح التّونسي عبر التكوين و الإنتاج والتوزيع. يتمتع باستقلالية مادية و تشرف عليه وزارة الثّقافة، له فضاءان رئيسيان هما: قصر المسرح « بالحلفاوين» و قاعة » الفنّ الرّابع « بشارع باريس، وسط العاصمة.
شروط الترشح إلى منصب مدير عام المسرح الوطني
كثيرا ما يثير تعيين المدراء العامين والمسؤولين في مختلف مؤسسات وزارة الشؤون الثقافية وعلى رأس التظاهرات الكبرى الكثير من اللغط والجدل في تساؤل عن مبررات هذه التسميات ومدى توفر مبدأ الكفاءة والقدرة على تقديم الإضافة.
بعد أن وعدت وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري بعزمها على تطبيق معيار الشفافية وإعادة بناء الثقة وتكريس الحوكمة الرشيدة ... يأتي الإعلان عن تسمية مدير عام جديد للمسرح الوطني عن طريق الترشح لا عبر التعيين الأحادي والفوقي كنوع من القطيعة مع أساليب التنصيب القديمة والتي لا تكون محل إجماع ورضا الجميع في كل مرة.
وقد فتحت الوزارة أمام كل المسرحيين دون استثناء أبواب الترشح إلى هذا المنصب ليكون الأكفأ هو الأجدر بالجلوس على كرسي المسرح الوطني.
تحت عنوان» إتاحة الفرصة لكل الكفاءات المسرحية»، أعلنت وزارة الشؤون الثقافية، في الأيام القليلة الماضية، عن فتح باب الترشح لخطة مدير عام لمؤسسة المسرح الوطني على أن يتم إيداع مطالب الترشح في أجل أقصاه يوم 30 أوت 2020. ووضعت الوزارة ثلاثة شروط أساسية للترشح إلى هذه الخطة المرموقة وهي: أن يكون المترشح مسرحيا من ذوي الخبرة والصيت وله كفاءة مشهود بها في ميدان المسرح والفنون الدرامية والركحية وإدارة المشاريع المسرحية والفنية. وثانيا، أن يقدّم المترشح تصورا حول دعم إنجازات المؤسسة وسبل تطوير مكاسبها على مستوى التنظيم والتسيير والبنية التحتية ووسائل العمل وضبط الموازنات الاقتصادية الفنية وتنمية الموارد الذاتية. وثالثا، أن يقوم المترشح بتقديم مشروع فني متكامل يقوم على المحاور الكبرى التالية: التوجهات الفنية والتكوينية لمؤسسة المسرح الوطني والهياكل الراجعة له في فنون التمثيل والكتابة والإخراج والسينوغرافيا والحرف الفنية ذات العلاقة بالفن المسرحي - سياسة الإنتاج والبرمجة والاستغلال - الخطة الاتصالية والبرامج المتعلقة بتوسيع دائرة الشركاء والتنشيط واستقطاب أصناف جديدة من المشاهدين - الشراكات الوطنية والدولية ودعم موقع المؤسسة وإشعاعها برامج البحوث والدراسات والنشر والتوثيق.
ولئن لاقت مبادرة وزارة الشؤون الثقافية الاستحسان والرضاء بالقطع مع طرق التعيين السابقة واعتماد خيار الترشح لتسمية مدير عام للمسرح الوطني على أساس أفضلية المشروع ونجاعة التصور ، فإن الكرة ستكون في ملعب الوزارة لتسديد الخطى نحو مرمى الثقة والشفافية فعلا دون خروج عن هذا الهدف بالخضوع إلى إملاءات العلاقات والولاءات والتزكيات الحزبية...
فاضل الجعايبي وحصاد 6 سنوات على رأس المسرح الوطني
في جويلية 2014 تم تعيين المسرحي الكبير فاضل الجعايبي مديرا عاما لمؤسسة المسرح التونسي في عهد الوزير مراد الصكلي. وقد أكد الجعايبي في أكثر من مناسبة أنه قبل هذا المنصب بعد تردد وتفكير ووضع شروط ... وكان من بين ملامح تصوّره في إدارة المسرح الوطني مراجعة الفصل 700 من القانون الأساسي لمؤسسة المسرح الوطني المتعلق بتعيين مدير عام المسرح ليكون تقديم مشروع وتصور متكامل لتطوير المؤسسة ودعم مداخيلها من قبل كل من يرغب في ترؤسها هو المعيار للتعيين.
طيلة فترة إداراته لمؤسسة المسرح الوطني، تعاقب على وزارة الشؤون الثقافية 4 وزراء وبقي المخرج المسرحي فاضل الجعايبي في مكانه ومحافظا على مكانته... بالرغم من الاحتجاجات النقابية والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات...
ولم تخل عهدة إدارة الفنان فاضل الجعايبي للمسرح الوطني من الصراعات والانقسامات التي بلغت أروقة المحاكم سواء تعلق الأمر ببعض أعوان المؤسسة أو بعدد من المسرحيين سيما بعد إيقاف عروض مسرحية «الرهيب»... ومن توصيفه بـ«الديكتاتور» داخل مؤسسة المسرح الوطني إلى نعته بـ»سوء التصرف الإداري والمالي»، كانت الأقواس تصوّب سهامها بقوة في كل مرة لإسقاط «عرش» فاضل الجعايبي وسط إصراره على إكمال مدة إدارته للمسرح الوطني والخروج من الباب الكبير لا مستقيلا ولا مُقالا !
في آخر حواراته الصحفية، أكد فاضل الجعايبي في حديثه لـ»المغرب» أنه لا يتمسك بكرسي المسرح الوطني بل بمشروعه في الإصلاح قائلا :» يكفيني فخرا أني حققت مداخيل ذاتية لمؤسسة المسرح الوطني بحوالي 30 ٪ بدل 10 ٪ فقط التي نحن مطالبون بها. وعلى سبيل المثال ساهم عرض «العنف» في تحقيق نسبة أرباح للمؤسسة تقدّر بـ 430 ألف دينار ومازالت العروض متواصلة. كما ساهمت مدرسة الممثل في خلق مواطن شغل عديدة وتكوين أكثر من 80 ممثلا. لقد كان رهاننا الانفتاح على الشباب والجهات وتشريف تونس في الخارج فنجحنا في مصالحة الجمهور مع المسرح. .. لقد انطلقنا في عملية الإصلاح الشامل انطلاقا من تطوير البنية الأساسية وتجهيزاتها التقنية ومواردها البشرية... ولا يخفى على أحد أن مقر المسرح الوطني بالحلفاوين يخضع إلى عملية ترميم شاملة تحت إشراف المعهد الوطني للتراث. كما لا يختلف اثنان في أن قاعة الفن الرابع بشارع باريس قد شهدت ثورة في مبانيها وتجهيزاتها وواجهتها حتى أصبحت من أفضل قاعات العرض في تونس. إلى جانب تحوّل مدخلها القبيح سابقا إلى مقهى ثقافي يلتقي فيه أهل الفـــن والجمهور ويساهم في دعم الموارد المالية الذاتية للمسرح الوطني. أما على صعيد الإنتاج الفني، فقد حققنا قفزة في عدد المسرحيات المنتجة بمعدل 21 مسرحية في 5 سنوات أي بمعدل 4 مسرحيات سنويا. وهذه سابقة في تاريخ المسرح الوطني.أما التميز والإشعاع محليا ودوليا فتشهد عليهما أركاح العالم وأقلام النقاد وذاكرة التاريخ».
قريبا سيغادر فاضل الجعايبي مؤسسة المسرح الوطني بعد نجاحات في مواضع وإخفاقات في مواقع أخرى وسيجلس مكانه مدير جديد بعد تسميته في سابقة من نوعها على أساس الترشح لا التعيين، فهل يكون الرجل المناسب في المكان المناسب؟