الأبطال وحياكة التفاصيل المدهشة والمثيرة التي ترتبط عضويا بغرزة شدّ ووصل تضفي الانسجام والتناغم على القطعة المسرحية. لكن هذه المرّة حادت الغرزة عن مكانها وقماشها لتستقر على فم الفنان المسرحي توفيق القسومي الذي جعل من جسده أداة تعبير عن تظلمه واحتجاجه وغضبه...
لئن كان الفنان عادة ما يحتج عبر تعبيرات فنّه المختلفة والمتنوّعة على ما يحدث من حوله وما يواجهه شخصيا من إحباط للعزائم والآمال... إلا أنّ المسرحي توفيق القسومي اختار أن يخيط فمه كشكل من أشكال الاحتجاج.
توفيق القسومي: أعطوني حقوقي أو أتركوني بسلام !
بتاريخ 12 شهر مارس 2020، تقدّم الفنان توفيق القسومي بمطلب استقالة إلى وزيرة الشؤون الثقافية والمندوب الجهوي بالقصرين بصفته موظفا بوزارة الشؤون الثقافية في خطة المدير الفني لمركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين. كما أعرب الفنان توفيق القسومي عن نيّته تسليم الوزارة بطاقته المهنية كممثل مسرحي محترف معلنا عن استقالته من مهنة المسرح بعد 30 عام من النشاط والعطاء.
ولم يفصح توفيق القسومي عن دواعي هذا القرار المفاجئ والمحبط قائلا:» أسباب هذه الاستقالة محكومة بواجب التحفظ».
في الساعات الأخيرة، أقدم المسرحي توفيق القسومي على خياطة فمه والدخول في إضراب جوع وحشي بمقر مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين.
ولتوضيح خلفيات إقدامه على خياطة فمه كشكل من أشكال الاحتجاح المؤلمة والعنيفة، أوضح توفيق القسومي في فيديو مباشر أنزله على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي وتوّجه من خلاله برسالة إلى كل من رئيس الحكومة وزير الدولة المكلف بالوظيفة العمومية والحكومة ومقاومة الفساد ووزيرة الشؤون الثقافية ووالي القصرين والأمين العام للاتحاد
التونسي للشغل والكاتب العام للجامعة العامة الثقافة مطالبا بالرد على مراسلاته التي احترم فيها مبدأ التسلسل الإداري. وكرّر توفيق القسومي لأكثر من مرّة: «أنا فنان في دولة لا تحترم الفنان ... فأعطوني حقي أو اقبلوا استقالاتي واتركوني بسلام!».
رفض لتعيين مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين
يبدو أن السبب الرئيسي لاحتجاج وتظلم توفيق القسومي هو عدم رضائه على وضعيته المهنية التي ظلت تراوح مكانها منذ حوالي 14 سنة دون ترقيات أوارتقاء في السلم الوظيفي.
ومما زاد الطين بلّة تعيين مدير جديد لمركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين، لم ير فيه توفيق القسومي الشخص المناسب في المكان المناسب.
وتعليقا على حادثة خياطة توفيق القسموي لفمه، علّق الشاعر والكاتب العام المساعد للجامعة العامة للثقافة سامي الذيبي كما يلي:»منذ أكثر من شهر في عملية احتجاج فنية قدم الممثل المسرحي وأستاذ المسرح الموظف بوزارة الشؤون الثقافية توفيق القسومي استقالته على الفضاء الافتراضي احتجاجا على تعيين الوزارة لملحق من وزارة التربية مديرا لمركز الفنون الركحية والدرامية بالقصرين، في حين كان الأجدر بها ابن الوزارة وأحد كفاءاتها. وأمام الصمت المتذاكي للوزيرة يدخل اليوم الفنان المسرحي توفيق الڤسومي في تصعيد خطير ويقوم بخياطة فمه تعبيرا عن انسداد كل أفق المبدعين. ما هكذا نتعامل مع المبدعين، وإذا ستواصل السيدة الوزيرة تجاهلها الذي ينم عن عدم جديتها وعدم جاهزيتها لمنصب الوزارة، فإننا باقون لها ولكل المتخاذلين».
لئن كان الفنان هو صديق الحياة وناثر وورد الأمل والتفاؤل من حوله.. فإنه يبقى في النهاية إنسانا يحزن ويستاء ويكتئب اذا لم يجد تقديرا لإبداعه ولعمر قضاه في العزف على قيثارة الفن !