بل يمكن أن يتسع ليبسط جناح حمايته على نظم الزراعة التقليدية والأسرية بما هي «مناظر طبيعية من الجمال منحوتة من الطبيعة ومن قبل البشر اللذين يحافظون على التنوع البيولوجي الزراعي والنظم البيئية المرنة والتراث الثقافي القيّم مع توفير الأمن الغذائي والمعيشي لملايين المزارعين الأسريين». وقد حظيت تونس بتسجيل ثلاثة نظم زراعية في قائمة التراث الزراعي العالمي.
بعد تسجيل واحات قفصة في التراث الزراعي العالمي سنة 2011، تم أخيرا إدراج نظم الزراعة التقليدية الرملية في تونس والمستخدمة في بحيرات غار الملح والحدائق المعلقة في دجبة العليا، في قائمة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية التي تديرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).
الزراعات الرملية في غار الملح والفرادة العالمية
تم تقديم طلبات الإدراج رسميا من قبل الحكومة التونسية في مارس 2019، ودعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فنياً طلب إدماج موقع غار الملح بينما دعمت الفاو برنامج تونس لموقع دجبة العليا، بالتنسيق مع نقطة الاتصال الوطنية في برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية وأمانة البرنامج.
هي المدينة الساحرة بجذورها الفينيقية وطبيعتها الخلابة وموانئها الشهيرة وقد زادت «غر الملح» من شهرة بنزرت بفضل مواقعها التاريخية وشهرة بحرها المتاخم لجبلها ... ومرة أخرى تطرق غار الملح أعتاب العالمية من بابها الواسع بعد تسجيل الزراعات الرملية بهذه المنطقة في قائمة التراث الزراعي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو».
وقد ثمنت الفاو الزراعات التقليدية المعتمدة في بحيرات غار الملح وثمّنت خصائصها الفريدة من نوعها معتبرة أن « الممارسات الزراعية الرملية تشمل زراعة المحاصيل في التربة الرملية، وهي ممارسات فريدة من نوعها، ليس في تونس فحسب، ولكن في العالم بأسره. وأنشأ المهجرون الأندلسيون هذه الحدائق في القرن السابع عشر للتكيف مع مشكلة نقص الأراضي الصالحة للزراعة والمياه العذبة.وتعتمد هذه الممارسات المبتكرة على نظام ري سلبي، بحيث تتغذى جذور النباتات على مياه الأمطار المخزنة والعائمة على سطح البحر خلال المواسم عبر حركة المد والجزر».
وأشادت منظمة الأغذية والزراعة بتقاليد الفلاحة المتوارثة في غار الملح، قائلة: «تتيح المعرفة التقليدية التي تم الحفاظ عليها على مر القرون للمزارعين الحفاظ على الأراضي الزراعية من خلال إمدادها الدقيق بالرمال والمواد العضوية، بحيث تصل المحاصيل إلى الارتفاع الصحيح، ما يسمح بري الجذور بالمياه العذبة وعدم تأثرها بالمياه المالحة.ويحمي السياج الأخضر المحيط بالبحيرة، والمكون من الشجيرات وأشجار الفاكهة، الأراضي المزروعة من الرياح ورذاذ البحر، ويساعد على إبطاء التبخر وإصلاح الرمال. ويتيح هذا النظام متعدد الأوجه زراعة المحاصيل على مدار السنة دون الحاجة إلى الإمدادات الاصطناعية للمياه، حتى خلال فترات الجفاف».
واليوم، يعتبر صيد الأسماك والزراعة من الأنشطة المعيشية الرئيسية في غار الملح. وتتسم مزارعها بصغر مساحتها (81 في المائة منها أقل من 5 هكتارات) ويشمل إنتاجها الأساسي البطاطا والفاصوليا والبصل «الرملي».
الحدائق المعلقة في دجبة العليا أعجوبة الفلاحة في باجة
للوهلة الأولى قد يعيدنا مفهوم الحدائق المعلقة إلى بابل وحضارة بلاد الرافدين الذي امتازت بحدائقها المعلقة كعجيبة من عجائب الدنيا السبعة، إلا أن تونس أيضا تمتلك حدائق معلقة أوصلتها إلى قائمة التراث العالمي الزراعي.
بعد أن اشتهرت باجة عبر التاريخ بخصوبة أراضيها و لقب «مطمور روما» ... فقد نجحت اليوم في تسجيل حدائق دجبة العليا على مرتفعات جبل غرة ضمن قائمة التراث الزراعي العالمي. واعتبرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن هذه الحدائق تشكل نظاماً فريداً من نوعه للزراعة الحراجية. فعلى ارتفاع 600 متر، تمكن المزارعون من الاستفادة من هذه الأراضي الجبلية، عن طريق دمج الزراعة على المدرجات التي تشكلت من التكوينات الجيولوجية الطبيعية، أو التي قاموا ببنائها من الأحجار الجافة.
وأضافت «الفاو» في تقريرها أنّ «الحدائق المعلقة، المعززة بنظام ري فعال، تعتبر مثالاً على الزراعة الحراجية المبتكرة والقادرة على الصمود التي تلبي الاحتياجات الغذائية للمجتمعات المحلية على مدار العام. وبفضل الحفاظ على الغابات على علو شاهق وتعدد الأنواع في طبقة الأشجار في الحدائق، تتمتع دجبة العليا من مناخ مصغر خاص بها. ونظراً لاتباع الممارسات التي تجمع بين الزراعة الحراجية والإيكولوجيا الزراعية، تعد زراعة شجرة التين الزراعة الرئيسية لهذا النظام متعدد الثقافات والمتنوع والقادرعلى الصمود والذي تدعمه تربية الماشية على نطاق واسع. وبالإضافة إلى التين، يتم إنتاج كميات كبيرة من الخضروات والبقوليات وأنواع الفاكهة في الحدائق، بما في ذلك النباتات الباذنجانيات (الطماطم والفلفل) وكذلك القرع والفاصولياء والبصل والفول البطاطس.
وتشكل تربية الماشية أيضاً جزءاً كبيراً من التنوع البيولوجي لتلك المنطقة، ولا سيما سلالة الأغنام المحلية «سوداء تيبار»، المعتادة على العيش وسط التضاريس الوعرة، وسلالة أبقار «الأطلس البنية» المعروفة بصلابتها».
بعد إضافة نظم الزراعة التقليدية الرملية في بحيرات غار الملح والحدائق المعلقة في دجبة العليا، ارتفع العدد الإجمالي لنظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية حول العالم إلى 61 نظاماً في 22 دولة. ويسلط برنامج «الفاو» الضوء على الطرق الفريدة التي تتبعها المجتمعات الريفية على مر الأجيال لتعزيز الأمن الغذائي، وسبل المعيشة القابلة للاستمرار، والنظم الإيكولوجية القادرة على الصمود، والمستويات العالية من التنوع البيولوجي، كل ذلك مع المساهمة بتشكيل مناطق طبيعية رائعة.