فقد أصبح خيار الموت هروبا عند البعض وخلاصا من مشقة العيش وبؤسه وانسداد آفاقه... في تونس صار الانتحار ظاهرة تتكرر في كل فصل ويوم وتوقع ضحاياها من كل الأعمار وحتى الأطفال! وإن كان الفنان يعلي شريعة الحياة في كل زمان ومكان ويقاتل منطق العدم من حولنا... إذ يواجه بدوره هشاشة وضعية اقتصادية واجتماعية تفتقر إلى الضمانة القانونية.
آخر أخبار الموت جاءت أول أمس لتعلن عن إقدام رجل على شنق نفسه قيل في البداية إنه فنان يمتهن الموسيقى لتنفي بعدها نقابة الفنانين المحترفين بصفاقس الخبر وتؤكد أنّ المتوفي لا علاقة له بميدان الفنّ.
الفنان يقاوم ولا ينتحر !
بعد أن تمّ تداول صورة بشعة لرجل وضع حدّا لحياته شنقا في الشارع أمام أحد المحلات في ولاية صفاقس، كان التنديد كبيرا والاحتجاج واسعا بعد أن قيل بأنّ الراحل هو عازف إيقاع يعيش من الفنّ وبعد أن تدهورت ظروفه بسبب انقطاع مورد رزق أبنائه في ظل الحجر الصحي ضاقت أمامه السبل فانتحر. فانهالت كل عبارات اللوم و العتب على وزارة الشؤون الثقافية واعتبرتها المسؤولة عن منظوريها وأبنائها حتى وإن كانوا من الأعوان والفنانين العرضيين.
ولئن نفت نقابة الفنانين المحترفين بصفاقس في بلاغ لها بأن يكون المنتحر منتميا لقطاع الموسيقى كما تم الترويج لذلك ، فإن هذا التوضيح قد ينفي عن وزارة الشؤون الثقافية التهمة أو الشبهة ولكنه يعيد التذكير بهشاشة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للفنان التونسي في بلد ينصّ دستوره صراحة على أنّ «الحق في الثقافة مضمون... وأنّ الدولة تشّجع الإبداع وتدعم الثقافة»!
بعد أزمة الكورونا ازدادت وضعية الفنانين حدّة وشدّة، وكانت التعرية القبيحة لواقع المبدعين في كل المجالات الفنية دون استثناء. فطالبت نقابات المهن الفنية بضرورة التدخل العاجل لحفظ كرامة الفنان بعد انقطاع نشاطه وتعطل العروض والمواعيد الثقافية وغلق دور الثقافة والمسارح ومدينة الثقافة. كما ندّد الكثير من العاملين في القطاع الثقافي بعدم خلاص عروضهم المدعمة المتخلدة بذمة وزارة الشؤون الثقافية، وعدم تمكينهم من جوائزهم المادية التي استحقوها في مسابقات مهرجانات مختلفة.
الوزارة تشرع في صرف منح حساب «دفع الحياة الثقافية»
بمجرد تسلم مهامها وجلوسها على كرسي وزارة الشؤون الثقافية ، وجدت شيراز العتيري نفسها في مواجهة طرف صعب وحرج يحتّم عليها التخفيف من انعكاسات جائحة الكورونا على القطاع الثقافي. ولم تقف وزارة الشؤون الاجتماعية مكتوفة الأيدي أمام التهديد الذي يواجهه الفنانون والتقنيون ومختلف الأطراف المتدخلة في القطاع ، فقامت ببعث «حساب دفع الحياة الثقافيّة «، لجمع الهبات والتبرعات لفائدة قطاع الثقافة في تونس للمساهمة في دفع الحياة الثقافية ومعاضدة جهود الفنانين والمبدعين وكل الفاعلين في القطاع.
وقد حظيت هذه المبادرة بالتفاعل في وقت قياسي ونجح «حساب دفع الحياة الثقافية» في حشد تبرعات المؤسسات والهياكل والمجتمع المدني على غرار بنك بيات الذي تبرع بمبلغ 100 ألف دينار ومؤسسة رامبورغ التي تبرعت بـ200 ألف دينار ...
وقد أعلنت وزارة الشؤون الثقافية يوم أمس أنه «قد تم الشروع منذ يومين في تحويل منح المساعدة لفائدة مستحقيها من الفنانين والمشتغلين في الحقل الثقافي من حساب دفع الحياة الثقافية وذلك بعد دراسة الملفات المعروضة وفرزها وضبط قائمة المستفيدين من قبل فرق العمل المحدثة للغرض وبعد أن تم تجاوز الخلل التقني الذي طرأ على مستوى منظومة الصرف المعتمدة بوزارة المالية كما تم التنسيق مع مصالح الوزارة المذكورة للتسريع في هذه الإجراءات» .
كما أكدت الوزارة على مواصلتها في الفترة المنقضية -تقديم المساعدات- الظرفية للمبدعين والعاملين في الميادين الثقافية والفنية لمجابهة الصعوبات الاجتماعية أو الصحية أو المالية التي يتعرضون لها، اعتمادا على الآلية المعمول بها في هذا المجال بالتنسيق مع المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
تسديد 39 مليون دينار من مجمل التعهدات
تتخبّط وزارة الشؤون الثقافية في حجم مديونية مرتفعة تفوق 40 مليون دينار تعود إلى سنوات 2017 و 2018 و2019 أمام مطالبة أصحابها بسداد أموالهم وخلاص مستحقاتهم. وفي هذا السياق، أوضحت وزارة الشؤون الثقافية أنه «تمّ إلى حد الآن صرف جانب هام منها لفائدة مستحقيها وذلك بعد أن تم اتخاذ تدابير استعجالية لحصر هذه المتخلدات ورصد الموارد المالية اللازمة للغرض وتذليل الصعوبات الإجرائية رغم صعوبات الظرف المتصل بتداعيات الحجر الصحي. ويتواصل هذا التمشي بنسق حثيث إلى غاية تسوية كافة الملفات العالقة.وقد تم التوصل منذ بداية شهر مارس إلى حدود هذا اليوم إلى صرف مبلغ قيمته 39 مليون دينارا من مجمل التعهدات المالية للوزارة وقيمتها 44 مليون دينار.
وقد تعهدت وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري بإرساء مبادئ قائمة على الحوكمة الرشيدة صلب الوزارة وصلب كل المؤسسات الراجعة بالنظر للإدارة المركزية، حتى لا تتكرّر هذه الوضعيات وليعمل كل الفاعلين في القطاع الثقافي ضمن إطار من الشفافية والوضوح.