ولكن بتوفيق من الله تبارك وتعالى ثم بحكمة القاضي وحنكته، جلس مع كل منهما جلسة خاصة وناقش معه قوله تعالى: «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ »، فما كان منهما إلا أن تصالحا وتصافيا بحمد الله، فما أحوجنا للتأمل والتدبر قبل التصرف!
• الوقفة الثانية عشرة: إن عدم نسيان الفضل هو عين الحكمة والعقل، وعندما نقارن بين نسيان الفضل وعدمه، نجد فرقًا كبيرًا في الربح والخسارة، والعاقل يتحمل مشقة ساعة، فيعرف لأهل الفضل فضلهم؛ ليرتاح ضميره ويطرد شيطانه، وتسعد حياته، ويقطع ما يرد مستقبلًا من الشرور فإن مع نسيان الفضل تتجدد السلبية، ومع الاعتراف به تتجدد الإيجابية.
• الوقفة الثالثة عشرة: يتعين علينا جميعًا أن نعترف في الفضل لأهله ولا ننساه لهم قولًا وواقعًا عمليًّا، فقد نجد البعض من الناس قد يتمثل هذا قولًا ونصحًا وإرشادًا للآخرين، لكنه في الدائرة العملية الواقعية، قد يتخلف هذا الشعور وهذه مصيبة عظيمة أن تخالف أقوالُنا أفعالَنا.
• الوقفة الرابعة عشرة: إن كنا نقول: لا ننسى لأهل الإحسان إحسانهم، فكذلك نقول للمحسن عند الفراق لا ينبغي أن تذكر إحسانك في مجالسك، فتقول - متحدثًا عن صاحبك -: فعلتُ كذا وكذا في الإحسان عليه، ونحو ذلك، فإن هذا الإحسان بينك وبين الله تعالى ترجو ثوابه وأجره، فكن كذلك.
الوقفة الخامسة عشرة: من نسيان الفضل بين الزوجين تسريب الخلافات الزوجية إلى خارج محيط البيت، وهذا في كثير من الأحيان يزيد المشكلة تعقيدًا ويزيدها جفاءً، بينما لو كانت المشاكل مذكورة في دائرة النقاش بين الزوجين، وإذا لزم الأمر فلا تخرج المشكلة إلا إلى مصلِح أو مصلِحة، فخروجها إليهم هي من طرق الحل السليمة، أما التسريب باسم الاستشارة إلى مَن ليس أهلها، فهو فضفضة ليس إلا، وقد لا يفيد في الموضوع شيئًا كثيرًا.
• الوقفة السادسة عشرة: لا يتذوق طعم مخرجات هذه القاعدة العظيمة إلا من عاشها واقعًا عمليًّا، فتراه يعفو ويصفح ويحسن ما يستطيعه من وجوه الإحسان، كيف لا وهو يخوض في محبة الله ومعيته ورحمته وعونه وجزائه، أما من عاشها نظريًّا وينساها في الميدان العملي، فهو لم يتذوقْها في حقيقتها.
• الوقفة السابعة عشرة: قوله تعالى: «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» البقرة: 237 لها مفهومان:
المفهوم الأول: ألا تنسوا الإحسان الذي كان بينكم في السابق، فتذكروه الآن لتتصافى القلوب، وهذا المفهوم هو في الحقيقة جزء من المعنى.
المفهوم الثاني: وهو المراد لا تنسوا فعل الفضل والإحسان بينكم في الحاضر مع تذكُّركم ما تم من الإحسان بينكما في السابق.
فالثاني أشمل وأعم وهو المراد.
• الوقفة الثامنة عشرة: إن القيم والأخلاق وبذلها من عدم نسيان الفضل بيننا، وذلك كالسلام والكلمة الطيبة والابتسامة والأخلاق الفاضلة والإحسان عامة، صغُر أم كبُر.
الوقفة التاسعة عشرة: إن الجزاء من جنس العمل، فكما لا تنسى الفضل بينك وبين الناس، فكذلك يُيسر الله تعالى إحسان الناس إليك، فلا ينسون الفضل بينهم وبينك.
• الوقفة العشرون: في عدم نسيان الفضل الراحة والسكينة والعزة والاطمئنان، وهذه لا شك أنها أركان في استقرار حياة الإنسان، ولكنك في تنفيذك لذلك استشعر أن تعمل الفضل مستحضرًا الإخلاص لله رب العالمين، وعندها أبشر بكل خير وسرور.
فيا أيها الزوجان الكريمان، تفاهما بأدب وبحوار هادف، وبنظر ثاقب للعواقب، فخلفكما ذرية، وسمعة، وعوائل تنتميان إليها، فصفِّيَا ماءكما بنفسيكما ما استطعتما إلى ذلك سبيلًا، ولو كان بتنازل كل طرف عن شيء من حقه تغليبًا للمصلحة؛ لأنكما جميعًا مشتركان في القضية، فنجاح أحدكما نجاح الآخر، أما التجافي والتعالي وتخطئة كل للآخر، ففيه هدم للأسرة من حيث إن البعض مع الأسف يرى هذا انتصارًا، وهو ليس كذلك.
هذه عشرون وقفة سريعة، مع قول الله تبارك وتعالى: « وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ »، فلا تنسوا أن تأخذوا هذه القاعدة الربانية بعين الاعتبار في جميع شؤونكم ومعاملاتكم.