تحتد الأزمة وتشتد الوطأة حين يأتي العيد، عيد المسرح ويعجز أهله عن الاحتفال والاحتفاء به ليس فقط ليوم واحد بل لأسابيع طويلة! لقد أفسدت «الكورونا» الخبيثة فرحة العيد وأبطلت إقامة الاحتفالات وإنارة أضواء اليوم العالمي للمسرح كما لم يحدث من قبل!
تعذّر على العالم بسبب تفشي وباء كورونا إحياء اليوم العالمي للمسرح الذي انطلق الاحتفاء به لأول مرّة في 27 مارس1962. وهو تاريخ افتتاح موسم «مسرح الأمم» في باريس.
رسالة اليوم العالمي للمسرح: «حين يصبح المسرح ضريحا»
في 27 مارس من كل عام ، تأتي رسالة اليوم العالمي للمسرح بإمضاء شخصيات مسرحية مرموقة من مختلف أنحاء العالم. وبعد أن تداول على تدوين هذه الكلمة العديد من المسرحيين والكثير من المبدعين على غرار يوجين يونسكو وسعد الله ونوس و فتحية العسال... نال الباكستاني «شاهد نديم» باعتباره كاتبا ومخرجا مسرحيا و مدير مسرح أجوكا... شرف كتابة رسالة اليوم العالمي 2020.
وقد اقتطع المسرحي الباكستاني «شاهد نديم» جزءا كبيرا من رسالته للإسهاب في سرد ملحمة تأسيس فرقته المسرحية «أجوكا» في باكستان . و»هناك فصلٌ واضح بين ما هو «مقدّس/ حلال» وما هو «مدنّس/ حرام»، فلا يوجد مجال للتساؤل الديني فيما يتعلّق بالحرام ولا توجد إمكانيةٌ للنقاش المفتوح والأفكار الجديدة فيما يتعلق بالحلال.» كما أطنب صاحب رسالة اليوم العالمي للمسرح في سرد تفاصيل وذكريات كتابة نصه المسرحي «بلهى» المُستوحى من سيرة الشاعر الصوفي الكبير بلهى شاه. وقد استمرت عروض هذه المسرحية طيلة 18 سنة.
يقدّم المسرحي والناشط الحقوقي شاهد نديم في ختام رسالته نظرية «المسرح الضريح»، فيقول:» في جنوب آسيا ، يلامس الفنانون خشبة المسرح في احترامٍ وتبجيلٍ قبل الصعود إليها، وهو تقليد قديم تمتزج فيه الروحانية والحس الثقافي، وقد حان الوقت لاستعادة تلك العلاقة التكافلية بين الفنان والجمهور وبين الماضي والمستقبل. يمكن أن يعود للمسرح سموّه وقدسيته، ويمكن أن يصبح الممثلون في الواقع تجسيداً للأدوار التي يلعبونها، فالمسرح يرفع فن التمثيل إلى مستوى روحاني أعلى، ليصبح المسرح ضريحاً ويصبح الضريح مساحةً للأداء».
فاضل الجعايبي :وعي جديد لتحدي الأزمات
«لن تحتفل تونس باليوم العالمي للمسرح هذا العام.فنّانات وفنّانون، متفرّجات ومتفرّجون حرموا منه. مسارح مغلقة، تظاهرات ملغاة، أعمال معلّقة، مشاريع محبطة، جمهور محجوز... فرّقه وباء كونيّ خطير لم يتوقّعه أحد». بهذا التأسف وهذا التحسر استهل مدير المسرح الوطني فاضل الجعايبي رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمسرح.
وأضاف المخرج المسرحي فاضل الجعايبي:» المسرح، هذا الفنّ الأب بامتياز، الذي يقف فيه الحيّ أمام الحيّ، ليتواصلوا حول فكرة لعبة، رهان فرجة يتطهّر فيها الإنسان من أعماق مخاوفه البدائيّة ويتقاسم ضحكا وبكاء هواجس وأحلام وآمال العالم.إلى أن أحلّ بنا هذا الوباء الرّهيب ليمتحن وعينا ويقظتنا وصبرنا فقدرتنا على التصدّي والتّكاتل والتضامن أفرادا وجماعات يكون كالفاجعة الإغريقية، يضعنا أمام وحدتنا ومسؤولياتنا، ويبعث فينا وعيا جديدا لا سابق له يحثّنا على تحدّي ما شاءته الظروف القاسية وارتكبته يد الإنسان الغافل أو الجاهل أو العابث».
وإن يتفق المسرحي فاضل الجعايبي مع الباكستاني شاهد نديم بأن « الأوقات السيئة هي وقت إزدهار المسرح»، فإنه تمنّى بأن تكون هذه الأزمة «وقفة تأمّل وأمل ومراجعة لمكتسباتنا الهشّة البالية وصمودا لمواجهة مصير فنّ هو في حالة إحتضار.وجلوسا معا ومع سلطات الإشراف الثقافية أوّلا، والماليّة فالسياسيّة والتشريعية والإعلاميّة والتواصليّة ثانيا، لإعادة النّظر الكلّي في المشاكل الكبرى المتراكمة في هذا القطاع الخطير والمهدّد منذ عقود طويلة بالتراجع والإنقراض».
توفيق الجبالي: زمنان متقاربان في التوّحد والانفصال ..
لم يتخلّف المسرحي القدير توفيق الجبالي عن تدوين كلمة وكتابة رسالة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح. وقد جاء نصه طريفا ومختلفا كما عوّدنا دائما. وفي كلمات مختزلة مشحونة بفلسفة الوجود، قال صاحب فضاء التياترو :» إنه اليوم العالمي للمسرح بل قل الزمن العالمي للكورونا. زمنان متقاربان في التوّحد والانفصال ..يختبر فيها الإنسانيون قدرتهم على الإعداد للحب و الموت. فإذ يموت الممثل في منفاه علي المسرح بعيدا عن الحبيب المتخيل... يموت المصاب في منفاه الفجئي وحوله المتغيّب الأوحد.
إنه الانفصال الوحشي الأبدي يتفانى الكتاب و الشعراء و الممثلون في سرده ... وهم يسخرون من كل الأحلام السيئة التي مرّت وتمر بها البشرية ..دون فك طلاسمها»..
لولا محنة «الكورونا»، لكانت وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري ستلقي كلمة هنا أو هناك بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمسرح . فإذا بالوزيرة توّجه رسالتها عن بعد بدل إلقائها وسط الجموع وإلى صفوف الجمهور. وقد جاء في نصها ما يلي : «المسرح هو عمل مقدس»، هكذا تحدث المسرحي الباكستاني شهيد نديم في رسالته لمسرحيّي العالم بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، وهكذا أقدّم تحيّتي لكلّ المحافظين على قداسة المسرح في تونس، أرفع لهم قبعة الاحترام وأشاركهم حملا ثقيلا أتت به الأزمة الراهنة التي سنتجاوزها معا قريبا وسنكون بعدها أقوى وأمتن. وفي هذا العيد، نجدّد وعدنا بالانتصار للمسرح على الجهل وعلى محدودية الإمكانيات وعلى كل أشكال التطرف».