التّاسع من التّبادل الفكريّ بين البلدين، والتّلاقح الثّقافيّ بين المفكّرين، والتّواصل الأدبيّ بين المبدعين.
خلال هذه السّنوات، انتظمت الملتقيات السّابقة في تونس أربع مرّات، واحتضنتها أماكن كثيرة كالمكتبة الوطنيّة، ومدارج جامعة منّوبة، وقاعات كلّية آدابها وفنونها، ونواد ثقافيّة شهيرة كالنّادي الثّقافي الطّاهر الحدّاد، وغيرها من الأفضية، الّتي أَلْقى فيها الشّعراء قصائدهم باللّسانين العربي والقشتاليّ، وقدّم فيها النّقّاد والباحثون على مختلف اختصاصاتهم محاضرات ومداخلات وورقات في تاريخ البلدين وذاكرتهما، وفي مستقبل العلاقات بينهما، وفي سبل مدّ الجسور الدّائمة بين ضفّتي المتوسّط، وفي وسائل العناية بالصّداقة التّونسيّة الإسبانيّة حتى تستمرّ بالتّرجمة والإبداع والكتابة الدّؤوبة والتّفكير في سياسات التّواصل الجديدة بين البلدين. وليس أدلّ على جدّيّة هذه الملتقيات كثرة الكتّاب الإسبان الّذين شاركوا في أعمال هذه الملتقيات، فقد بلغ عددهم حوالي مائة وخمسين اسما مرموقا، من كتّاب القصّة والرّواية والشّعر والمسرح والتّاريخ والنّقد الأدبي والفنّي، بعضهم شارك في أكثر من ملتقى، حتّى أصبح مألوفا معروفا في الوسط الثّقافي التّونسيّ،وبعضهم الآخر شارك وكتب وأشاد بتجربة المشاركة في ملتقى من أخصّ خصوصياته أنّه يجمع بين ثقافتين مختلفتي اللّسان والفكر، ومتقاربتين رغم ذلك، تحملان في طيّاتهما جراح الذّاكرة العتيقة، والأمل في الآتي بما يحمله من إمكانات وآفاق جديدة، من ثمارهاكان اللّقاء الخامس في قرطبة لتأكيد ما زُرع في الملتقيات السّابقة وحُصد.
كمال بوعجيلة ضيف الملتقى
وكالعادة، كانت المبادرة من صاحبي المشروع ومهندسيه، ونعني بهما الشّاعر الأكاديميّ الدكتور رضا مامي، رئيس الجمعيّة التّونسيّة لدارسي اللّغة الإسبانيّة وآدابها، والشّاعر النّاشر باسيليو رودريغاث كنيادا، رئيس الرّابطة القلميّة الإسبانيّة ورئيس مجمع سيال بيجماليون، فقد ارتأيا هذه المرّة أن ينعقد الملتقى الخامس في إسبانيا، وتحديدا في مدينة قرطبة، حيث انتظمت أعماله في كلّيّة الفلسفة والآداب، طوال أيّام ثلاثة من 18 إلى 20 فيفري 2020، في قاعة محاضراتها التّاريخيّة. وقد افتتحت بكلمات التّرحاب الّتي ألقاها منظّمو هذه التّظاهرة الفكريّة الثّقافيّة، إضافة إلى كلمة سعادة السّفير تونس بإسبانيا واصف شيحة، الّذي ألقى بالمناسبة محاضرة عنوانها: «تونس وإسبانيا، بلدان من المتوسّط»، ذكّر فيها بتاريخ العلاقات المختلفة بين البلدين. على إثرها انطلقت جلسات العمل وتوزّعت على طاولات مختلفة المحاور، نذكر منها «التّواصل الثّقافي والدّيبلوماسيّة الثّقافيّة»، و»المرأة والجندر والأدب»، و»آفاق تدريس اللّغة الإسبانيّة والتّرجمة في العالم العربي»، و»الأدب وسيلةً للتّواصل الثّقافيّ»، و»الإسلام والسّياسة». وقد شارك في كلّ واحدة من الجلسات المذكورة باحثون من تونس وإسبانيا وكولمبيا بلغ عددهم أربعين مشاركا تكلّموا باللغتين العربيّة والإسبانيّة، تخلّلتهما أحيانا في بعض المداخلات التّرجمة الفوريّة، أو ملخّصات الأعمال العربيّة مترجمة. وقد انتهت كلّ جلسة بمناقشات طويلة وثريّة تجاوزت في بعض الأحيان الوقت المخصّص لها. وقد نظّمت في بعض الأمسيات قراءات شعريّة أثّثها شعراء إسبان وكولمبيون وتونسيّون نذكر منهم صلاح الدّين الحمادي، وكمال بوعجيلة الّذي أتى من فرنسا للمشاركة في هذا الملتقى، ورضا مامي. وعلى هامش هذا اللّقاء نظّمت زيارة إلى جامع قرطبة ومدينة الزّهراء الأثريّة. ولعلّ من النّقاط المضيئة في هذه النّدوة مشاركة بعض طلبة الدّكتورا من كلّيّة منّوبة في أعمال هذا الملتقى ببعض الورقات القيّمة، ترك بعضها انطباعا طيّبا عبّرت عنه الأسئلة الموجّهة لهم.
ولعلّ مشاركة هذه الأطراف الواعدة، إلى جانب أساتذتهم، يحقّق بعض الأهداف الّتي رسمتها الجمعيّة التّونسيّة لدارسي اللّغة الإسبانيّة وآدابها، نذكر منها على وجه الخصوص: العمل على رفع المستوى العلمي للباحثين والمدرّسين في اختصاص اللّغة الإسبانيّة والمساهمة في إشعاع تونس بالتّعريف بإرثها الحضاري، وإنتاجها الفكريّ عبر النّقل والتّرجمة. ويبدو أنّ المشاركة التّونسيّة، بوفدها الّذي ضمّ رئيس اتّحاد الكتّاب التّونسيّين، وبعض الأساتذة والباحثين من طلبة الدّكتورا،قد خلّفت، في قرطبة، أثرا قويّا يدعو إلى التّفكير في مستقبل هذا الملتقى الفريد، وهو يقترب من اكتمال عقده الأوّل، عقد من الصّداقة والأخوّة.
اختتام الملتقى الدولي التونسي الإسباني في قرطبة: مدّ لجسور الحوار الثقافي والعلمي بين بلدان المتوسط
- بقلم المغرب الثقافي
- 09:02 26/02/2020
- 1935 عدد المشاهدات
بانعقاد الملتقى الدّولي التّونسيّ الإسبانيّ الخامس للمفكّرين والكتّاب، مؤخرا ، تكون الصّداقة التّونسيّة الإسبانيّة قد بلغت عامها