وهي التي وصفها « التيجاني » في رحلته «وحللنا الحمة فرأيت مدينة حاضرة تحف بها غابة من نخل تحمل حمله، وجميع مياه هذه المدينة شروبة، وهي في غاية السخانة، وبسخانة مائها سميت الحمة.. والحمة في اللغة هي العين التي بمائها سخانة...»، فليس غريبا على مدينة الحامة من ولاية قابس أن يكون لها مهرجان سينمائي وصدى ثقافي على مستوى دولي كرسته أيام الحامة السينمائية ، أمّا أن لا تكون لها ولو قاعة سينما وحيدة فتلك الغرابة بعينها والخزي الذي يندى له الجبين!
أسدلت أيام الحامة السينمائية ستار الاختتام على دورتها الثالثة التي تواصلت من 2 فيفري إلى غاية يوم 5 فيفري 2020 ، وقد حققت مكاسب جديدة وانتصارات مهمة تعد بالأهم والأفضل في الدورات القادمة سيما وقد اكتسبت صبغة دولية.
الفلم المغربي» فيلسوف» يقتنص «البرادة الذهبية»
بعد أيام من اللقاءات والندوات والورشات وأكثر من 50 عرضا للأفلام.. اختتمت أیام الحامة السینمائیة فعاليات دورتها الثالثة التي شهدت مشاركة 30 فلما في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة من 11 دولة مشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة على غرار الجزائر والمغرب ولبنان والعراق وفلسطین والطوغو والكونغو وكندا وسوريا.... وقد مثّل لجنة تحكيم المهرجان كل من المخرج المصري محمد سلامة و مديرة البرمجة في» كانال بليس» الدولية لأفريقيا هدى العمري و الممثل والمخرج والكاتب المسرحي التونسي جمال ساسي والكاتب والروائي والسيناريست الليبي سيراج هويدي والمخرجة والمنتجة التونسية سارة العبيدي. وفي الإعلان عن جوائز أيام الحامة السينمائية كانت المغرب سيدة التتوبج بفوزها بدرع «البرادة الذهبية» التي استحقها فيلم «فيلسوف» للمخرج عبد اللطيف افضيل . أما مصر فكانت صاحبة درعي الفضة والبرونز حيث نال فلم «رسالة لوالدي» للمخرج المصري لؤي جلال «البرادة الفضية» في حين كانت جائزة «البرادة البرونزية» من نصيب فلم «السيد بنفسجي» لأسامة أبوزيد من مصر.
وقد أسندت لجنة التحكيم أكثر من تنويه لثلاثة أفلام وهي فلم «أم الموصل» لباقر جعفر من العراق وفلم «ليلة الميلاد» لأحمد عماد من مصر وفلم «اثينا» لمهدي همامي من تونس.
وحتى تكون مصدر إفادة وفائدة، فقد أوصت لجنة التحكيم بالحرص على العناية بعملية انتقاء الأفلام على أسس تقنیة وفنیة عالیة تفتح آفاق اكتشاف سینما مختلفة، وبالاجتهاد في یكون اختیار الأفلام من القارات الخمس باعتبار صبغته الدولیة والعمل على جلب المتفرجین في الجهة حتى تكون للمهرجان مشاركة عضویة في تغيير وجه مدينة الحامة.
وإيمانا من هیئة المهرجان بضرورة الانفتاح على المحیط الخارجي والتعامل مع كل الفاعلین في المجال السینمائي والثقافي، أبرمت أيام الحامة السينمائية اتفاقية شراكة مع الجمعیة التونسیة للنهوض بالنقد السینمائي والتي منحت بدورها جائزة النقد السینمائي إلى فلم «نوح» للمخرج أبانوب يوسف من مصر.
ولم تكتف أيام الحامة السينمائية بخلق حركیة سینمائیة في جهة منسية ومهمشة رغم عمقها التاريخي ودورها في معركة النضال الوطني بل كان هذا المهرجان أرضية خصبة لدعم الموروث الثقافي للجهة وانتعاشة السیاحة الثقافیة في الحامة ومطماطة وقابس والجنوب التونسي عموما.
مهرجان سينمائي في مدينة بلا قاعة سينما !
باقة من أحدث انتاجات السينما ووفود من الفنانين والضيوف وطموحات وآمال... كانت هي المسار والحصاد في أيام الحامة السينمائية. ولئن كان للمهرجان حوالي 20 فضاء تتوزع بين المدارس الابتدائية والمراكز الشبابية والسجون والمراكز الثقافية والمعهد العالي للفنون والحرف بقابس والمقاهي الثقافية مستشفى الحامة والاتحاد التونسي لمساعدة الأشخاص القاصرين دهنيا بالحامة... فإن هذه المدينة التي يفوق عدد سكانها 120 ألف نسمة نجحت في كسب الرهان بتنظيم مهرجان سينمائي يعيد للجهة الاعتبار ولكنها تعاني من الحرمان من قاعة سينما ولو يتيمة، ولو وحيدة !
وليست معضلة انعدام وجود قاعات سينما مقتصرة على الحامة فقط بل إن ولاية قابس كانت بلا قاعة سينما منذ تسعينات القرن الماضي إلى حدود سنة 2018 حيث تم افتتاح قاعة «لاقورا « التي تم إنجازها من قبل خواص من أبناء الجهة بمناسية الدورة الثالثة المهرجان الدولي للفلم العربي بقابس..
إن غياب قاعات سينما تتوفر على المواصفات التقنية والشروط الفنية الملائمة للعرض ليست فقط نقصا كبيرا تعاني منه الحامة بل هي إشكال تعرفه عديد الجهات وجلّ الولايات حتى الكبرى منها وتزداد تبعاته يوما بعد يوم !