فتستحيل إلى شاهدة على العصر وثروة من التفاصيل الحميمية والجميلة. وفي الوقت الذي يعلن فيه العالم أن هذه الديار والآثار بما تحتويه من أثر لأصحابها المبدعين تتحول إلى متاحف ومنارات سياحية، فإنه يحدث في تونس أن تتحوّل هذه المعالم إلى رسم دارس وإلى الفناء بدل البقاء !
بعد أن لحق منزل طفولة أبي القاسم الشابي بتوزر النسف والهدم في حين يقاوم منزل المصلح أحمد ابن أبي الضياف صاحب «اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان» بباب سويقة خطر التقويض والاندثار... لم يعد من المسموح أن يختفي منزل العلامة ابن خلدون في المدينة العتيقة ليصبح في خبر كان!
متحفان في منزل ابن خلدون؟!
بعد طول تجاهل وكثير من الإهمال والتقاعس في ترميم منزل صاحب «المقدمة» ، جاء الجديد في اختتام تظاهرة تونس عاصمة إسلامية عن العالم العربي في غضون هذا الأسبوع. حيث استرعت كلمة المدير العام للإيسيسكو سالم بن محمد المالك الانتباه وهو يعلن عن مبادرة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بترميم بيت العلامة عبد الرحمن بن خلدون في وسط مدينة تونس العاصمة.
وفي هذا السياق أفاد المدير العام للإيسيسكو بالقول : «أُذَكِّر أننا أمام تحديات وتحولات ثقافية رقمية كبيرة لابد لنا من مواكبتها والتعامل معها، والاستثمار في الدبلوماسية الثقافية، وتثمين رأس المال الثقافي، وتصدير ثقافتنا التنويرية، وخير مثال على ذلك عزمنا على ترميم بيت العلامة ابن خلدون في مدينة تونس، والعمل على تدبير الموارد المالية اللازمة لذلك».
وقد سبق أن أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن عزمها على ترميم عدد من المعالم الثقافية والتاريخية والدينية في المدينة العتيقة من بينها منزل العلامة ابن خلدون في سياق الإعلان عن تونس عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2019. وكان مدير المعهد الوطني للتراث فوزي محفوظ قد أكد في تصريح إعلامي «أن ترميم دار ابن خلدون سينطلق خلال الأشهر القليلة المقبلة حيث سيتم تحويل جزء منها إلى متحف لآثاره وسيخصص الجزء الأكبر لإنشاء متحف «عصر ابن خلدون» ويضم كل المخطوطات والآثار الأدبية والحضارية التي شهدتها تونس خلال العهد الحفصي بما أنها كانت منارة علمية ذات وزن في المنطقة».
في نهج تربة الباي القريب من جامع الزيتونة المعمور، ولد مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون الذي طبّقت شهرته الأمصار وملأت كتبه السير والمجالس وشغلت الناس في كل الأقطار.
وأن تقوم اليوم وزارة الشؤون الثقافية اليوم في تونس بمساعدة أو مشاركة الإيسيسكو بتحويل منزل ولادة ابن خلدون إلى متحف حضاري وتاريخي يوّثق لحياة هذا العلاّمة الشهير ويجمع شتات مؤلفاته وأشيائه فإن ذلك ليس مجاملة أو نيّة في قائمة الانتظار بل أولوية قصوى من باب رد الجميل إلى اسم فارق في الفكر التونسي والعربي والحفاظ على تراث معماري تميز به هذا المنزل مما جعل «اليونسكو» تصنّفه كمعلم تاريخي. وقد كتب ابن خلدون قصيدة في الحنين لموطنه تونس قال فيها : «أحنّ إلى ألفي وقد حال دونهم.... مهامه فيح دونهن سباسب».