ليكشف الحاضر ويستشرف المستقبل. ويمسك الفن الرابع بخيوط الماضي والحاضر في ربط الأسباب بالنتائج بمنتهى الفن والإبداع. فإذا نحن أمام مسرحية كوميدية سياسية حيّة لا تموت، وهي التي تنسحب على واقع كل الشعوب العربية في كل الأوطان التي تحتسي كأسا فارغا أو شبه فارغ من الحرية والأمل وطيب العيش...
وفي تونس، كانت مسرحية «عمّار بو زوّر» من إخراج عبد القادر مقداد مفخخة بالرسائل المشفرة والنقد السياسي وإن جاءت في قالب ساخر ولبست عباءة الكوميديا السوداء... ورغم تقادم السنوات وتعاقب الحكومات، لم يأفل نجمها قضية ونصا بل بقيت صالحة إلى يومنا هذا، الآن وهنا.
أما مسرحية «غسالة النوادر» من إنتاج فرقة المسرح الجديد فكانت زبدة الثورة المسرحية التي لم تكتف بنبش العيوب وكشف العورات بل تنبأت بالمستقبل وقادم الحكومات من انتخابات وأجندات وشراء الذمم والأصوات... وهكذا هو المسرح والفن عموما له عين «زرقاء اليمامة» التي تستشرف عن بعد أميال ما خفي وما غاب عن عامة الناس.
ولئن كان المسرح يملك كل هذه الطاقة الواعية في التحليل والتشخيص والاستشراف... فلا شك أن ممارسي مهنته يتسلحون دائما بالأمل والجمال والحث على التغيير. ولكن للأسف أقدم تقنيان من مؤسسة المسرح الوطني التونسي بعد عرض مسرحيتي «خوف» و«العنف» للمخرج فاضل الجعايبي في كندا على الهروب من نزل الإقامة في عملية «حرقة» واضحة المعالم .
وبالرغم من أن الوضعية المهنية لهذين العونين المرسمين بمؤسسة المسرح الوطني تبدو مستقرة، فقد خيّرا المخاطرة وركبا المغامرة وقد يكون ذلك بعد حالة إحباط ويأس من الحاضر وتخوّف من الماضي.
ولئن يبقى الفنان إنسانا أولا وأخيرا يمر بفترات هشاشة وضعف، فإن المجتمع ينتظر من الفنان، الرسول تزويده بنبراس النور عند انسداد الآفاق وجرعة الحياة عند الاختناق.