لكن من الصعب إضحاكه. ويبدو أن مغامرة طرق أبواب الكوميديا تزداد عسرا واستعصاء في مجتمع تحكمه التناقضات وتسوده روح السخرية من كل شيء. فهل جاءت الأعمال الكوميدية على الشاشات التونسية في رمضان 2019 وفيّة لمعناها ومبناها وقادرة على رسم البسمة على الشفاه والاستجابة لتقنيات فن الإضحاك؟
في كل عام ، في كل موسم رمضاني تولد سلسلات هزلية من رحم مختلف التلفازات التونسية ولكنها سرعان ما تنسى بمجرد أن تنتهي. فالذاكرة لم تحتفظ منذ سنوات سوى بعنوان «شوفلي حل» وربما بذكر «نسيبتي العزيزة» في مرتبة ثانية.
«زنقة الباشا» تتأرجح بين النجاح والإخفاق
إلى عوالم المدينة العتيقة وأجواء «الحومة العربي» تحملنا سلسلة «زنقة الباشا» على الوطنية الأولى لتجعلنا شاهدين على حكايات أسرة ممرض الحي. ويمكن تصنيف هذا العمل في موقع ما بين الكوميديا والتراجيديا باعتباره يغادر الفضاء الواحد ليتوغل في أزقة العاصمة القديمة ونظرا لطبيعة مشاهده وأبعادها.
ويبدو أن «زنقة الباشا» أخذت على عاتقها التحدي في أن تخلف السيت الكوم الناجح جماهيريا «شوفلي حل» وأن تعزف على وتر الحنين لرمضان «الخطاب على الباب»، فلم تكن تشبه هذا ولا تقترب من ذاك ... بل وقفت على الربوة تنشد مجدا ونصرا في برمجة رمضان 2019. فكان النجاح حليفها في الحفاظ على مستوى من الجودة واحترام المشاهد مقابل مواطن إخفاق في إدارة الممثلين من أجل مرونة أكثر في الظهور والحضور حتى يحتل أداؤهم اهتمام الجمهور. على السبيل المثال فإن البون شاسع بين أداء الفنان القدير كمال التواتي في «شوفلي حل» ودوره في «زنقة الباشا» !
«دار نانا» على تخوم النجاح
بعد 8 سنوات، ألقى الفنان والسيناريست تحية الوداع على سلسة «نسيبتي العزيزة» لينصرف إلى لقاء جمهوره على عتبة «دار نانا» من إخراج محمد علي ميهوب على قناة نسمة. وطبعا تتربع السيدة منى نور الدين على عرش بطولة هذه السلسلة في شخصية «نانا جويدية» إلى جانب أداء مقنع لكل من رباب السرايري ومحمد على بن جمعة ... ومن الملاحظ أن سيناريو هذا السيت كوم جاءت خياطة قماشته بغرزة متقنة في أغلبها حيث تضمر عديد الرسائل السياسية والإيماءت الإجتماعية والاقتصادية بذكاء شديد. كما امتلك المخرج نظرة مبدعة في اختيار زاوياه وتوزيع مشاهده ... في «دار نانا» بعض الهنات التي تبتعد بها في كثير من الأحيان عن وظيفتها الأساسية في الإضحاك ولكنها في المقابل تملك جينات إبداعية ترشحها أكثر من غيرها في عيون المتفرج.
«الهربة»... الصفعة !
على شاشة «التاسعة» تطالعنا السلســـلة الهزليـة «الهربة» من بطولة جعفـــر القاســمي وسفيان الداهش ولبنى السديري ومجد بلغيث وغيرهم... ورغم اجتهاد الشخصيات في تقمص الأدوار وتمتع بعضهم بروح الفكاهة فطريا، فإن اعتماد «كليشيهات» أكل عليها الدهر وشرب في الإضحاك لم يؤت أكله في «الهربة».
وقد ولّى زمن الضحك من رجل ينتحل شخصية امرأة ويضع الشعر المستعار ، فلم يعد هذا الأسلوب مدعاة للضحك ولا مجالا لصنع البسمة ولو إكراها على شفتي المتفرج.
تبدو عموما المواقف الهزلية في سلسلة «الهربة» صفعة على وجه المشاهد الذي عدّل ساعته على توقيتها قصد اقتناص لحظة ممتعة فوجد نفسه أمام حلقات تقترب من كل شيء ولكنها تهرب عن روح الكوميديا بعيدا، بعيدا...
«فاميليا سي الطيب» دون المأمول
على خط السباق الدرامي، اصطفت قناة حنبعل للمنافسة على حصد نسب المشاهدة بسلسلتها الهزلية «فاميليا سي الطيب» التي راهنت على إعادة الممثل القدير نور الدين بن عياد إلى شاشة التلفزة بعد غياب مصحوبا بثلة من الوجوه الفنية على غرار عزيزة بولبيار وفوزي كشرود وكوثر بالحاج ولسعد بن عثمان ... وبالرغم من محاولة التنويع في حلقاتها والتغيير في مواقفها ، فإن «فاميليا سي الطيب» لم تجد النفاذ القوي إلى قلوب المشاهدين ولم تحصد الرواج الكبير على شاشات الفرجة. ربما كان عيب هذا العمل الإفراط في الاستهزاء من المواقف والتوظيف المجاني للشخصيات والأحداث بطريقة مبالغ فيها . في «فاميليا سي الطيب» يتبدل نور الدين من عيّاد من دور إلى آخر، ومن ثوب إلى آخر ... لكنه في خضم هذا التعدد يبقى محافظا على الحركات نفسها وتعبيرات الوجه والجسد ذاتها... فيكرّر نفسه في كل مرّة.
«قسمة وخيان» ... المهزلة!
اختارت قناة الحوار التونسي أن تدخل السباق الرمضاني بسلسلة جديدة تحمل عنوان «قسمة وخيان» من بطولة الثنائي بسام الحمراوي وكريم الغربي. ويبدو أن هاجس الإضحاك سيطر على صنّاع هذه السلسلة إلى حد التصنع والتكلف. ولم يتوقف الأمر عند حدود المسخ الفلكلوري للشخصيات الكوميدية الشهيرة على غرار إخراج «حفناوي» في صورة شبيهة بشخصية محمد إمام في مسلسل «هوجان» أو مظهر عادل إمام في فيلم «الهلفوت»....
ولئن كان أداء الممثل بسام الحمراوي يمثل نقطة ضوء في هذه السلسلة وربما كان بوسعه أن يلفت النظر لو كان ظهوره في غير السياق والمكان، فإن «قسمة وخيان» سقطت في فخ التهريج وشراك الابتذال بتورطها في أساليب الإضحاك السخيفة والرخيصة عبر تصوير الشخصيات في وضعيات محرجة وفي مرمى الصفعات وتسليط العقوبات التي تنم عن «سادية» ممزوجة بوهم القدرة على السباحة في بحور الكوميديا. وقد أصرّت «قسمة وخيان» على تسلق سلالــم «جـــدول الضرب» في كثير من المشاهد فعاقبها «جدول القسمة» بإسقاطها من غربال الجمهور.
يبدو أن الكوميديا فن السهل الممتنع الذي يحتاج كاتب نص من الطراز الرفيع يمتلك مفاتيح الإضحاك وممثل من النوع الذي يحوّل عجينة الهزل إلى صلصال مطاط يلاعبه بحرفية ومهارة ليستحيل بين يديه إلى ضحكات وابتسامات ولحظات من الإمتاع والمؤانسة.