الله في الدنيا والآخرة قوله تعالى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (طه:130).
ذكر المفسرون في التسبيح المأمور به في الآية هنا وجهين:
الأول- أنه التنزيه. والمعنى: ونزه ربك عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص، حامداً له على ما ميزك بالهدى، معترفاً بأنه المولى للنعم كلها. قال الرازي: «وهذا القول أقرب إلى الظاهر؛ لأنه تعالى صبره أولاً على ما يقولون من تكذيبه، ومن إظهار الشرك والكفر، والذي يليق بذلك أن يأمر بتنزيهه تعالى عن قولهم، حتى يكون دائماً مُظْهِراً لذلك، وداعياً إليه؛ فلذلك قال ما يجمع كل الأوقات».
الثاني- أنه الصلاة، وهو الأقرب لآية واستعينوا بالصبر والصلاة (البقرة:45)، قال ابن عاشور: «أمره بأن يُقبل على مزاولة تزكية نفسه وتزكية أهله بالصلاة، والإعراض عما متَّع الله الكفار برفاهية العيش، ووعده بأن العاقبة للمتقين. فالتسبيح هنا مستعمل في الصلاة؛ لاشتمالها على تسبيح الله وتنزيهه». والمعنى على هذا: صلِّ وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه، قبل طلوع الشمس، يعني صلاة الفجر. وقبل غروبها، يعني صلاة الظهر والعصر، لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار، بين زوال الشمس وغروبها، ومن آناء الليل فسبح أي من ساعاته -وهو جمع إِني، بكسر الهمزة، وسكون النون- يعني المغرب والعشاء. وتخصيص هذه الأوقات للإشارة إلى الدوام على التسبيح، مع أن لبعض الأوقات مزية يفضل بها غيرها.
والمهم في هذه الآية الكريمة ما أشارت إليه من العلاقة بين التسبيح والرضا «وسبح بحمد ربك...لعلك ترضى» وهذا كقوله تعالى: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (الحجر:98) فقد أرشدت هذه الآية إلى الدواء الذي يُسْتشفى به من ضيق الصدر، فكم في الدنيا من صدور أضنتها الأحزان! وكم في الدنيا من وجوه ذوت بما تخفي من أوجاع نفسية! فجعلت الآية التسبيح ترياقاً تستطب به النفوس، وتُداوى به الغموم، وتثلج به الصدور.
والملفت للانتباه في هذا السياق، أن القرآن الكريم أخبرنا أننا نعيش في عالم يعج بالتسبيح من حولنا؛ فالرعد يُسبح ويسبح الرعد بحمده (الرعد:13)والجبال والطير تُسبح وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير (الأنبياء:79) والكائنات بأجمعها تُسبح لله، بما فيها السماوات نفسها، والأرض نفسها، وما فيهما من مخلوقات، كلها تُسبح لله، وكلها تُسبح بلغة لا نفهمها تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (الإسراء:44).