التحقيق مع المجرمين فقط من أجل تدوينة على الفايس بوك، فتلك سخرية القدر والفضيحة التي لا تغتفر! قبل ساعات قليلة من إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة تتلقى الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سلوى الشرفي استدعاء للمثول اليوم الخميس 2 ماي الجاري أمام الفرقة الأولى لمكافحة الإجرام للحرس الوطني ببن عروس. أما التهمة فليست جريمة قتل أو سطو أو عنف... بل مجرد تعبير عن الرأي قد نتفق معه وقد نختلف، والاختلاف لا يفسد للود للقضية.
لئن كانت حرية التعبير هي ثمرة الثورة التونسية التي أينع قطافها، فصفّق التونسيون لهذا الحصاد كثيرا واستبشروا بأن يكون باكورة التغيير وفاتحة الخير لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود... فيبدو أن الخطر يتربص بهذا المكسب ولازالت المعركة مع سدنة محاكم التفتيش متواصلة.
فتحي العيوني يقاضي سلوى الشرفي من أجل تدوينة !
تبدو الحكاية أشبه بمشهد سريالي تجلس فيه الأستاذة الجامعية على كرسي الاستنطاق لتدافع عن رأي عبرت عنه بحرية... فهل تحتاج المتهمة بشجاعة التعبير إلى الاستناد إلى المراجع المعرفية والاعتماد على المصادر العلمية وكأنها تقدم أطروحة الدكتوراه ! فقط لتثبت أن طلب العلم مشروع وأننا ورثنا الوصية بأن نطلب «العلم منالمهد إلى اللحد»... فمن يفهم؟
تعود تفاصيل الحكاية المضحكة، المخجلة إلى تدوينة نشرتها الباحثة سلوى الشرفي على صفحتها الخاصة بالفايس بوك تلقفها على عجل المحامي ورئيس بلدية الكرم الحالي فتحي العيوني فإذا به يهرع إلى تقديم شكاية بتاريخ 22 جوان 2018 لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضدّ الأستاذة الجامعية سلوى الشرفي على خلفية تدوينة نشرتها على شبكة التواصل الاجتماعي. وقد اتهم فتحي العيوني سلوى الشرفي بالاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على الكراهية والفتنة وتعكير صفو النظام العام طبقا للفصل 121 من القانون الجنائي والتعرّض والتشويش على ممارسة الشعائر الدينية طبق الفصلين 245 و247 من المجلة الجنائية.
ضرب لحرية التعبير وتهديد للحريات الأكاديمية
في الوقت الذي كان فيه من المفروض أن يتم تكريم الأستاذة سلوى الشرفي بعد أن أمضت العمر في تدريس علوم الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار وكانت أول امرأة تصل إلى منصب مديرة لهذا المعهد بالانتخاب وساهمت في إثراء الساحة الفكرية بعدد من المؤلفات لعل أهمها :»الإسلاميون و الديمقراطية » و«المرأة والإسلام والعنف »... تجد هذه الباحثة نفسها مطالبة بالمثول أمام القضاء، والتهمة هي مجرد تدوينة بعيدة كل البعد عن أوصاف الجريمة !
وقد سردت الدكتورة سلوى الشرفي تفاصيل هذه التدوينة التي أوصلتها إلى فرقة مكافحة الإجرام، فصرّحت لـ«المغرب» بالقول: «تلقيت استدعاء للمثول اليوم الخميس أمام الفرقة الأولى لمكافحة الإجرام للحرس الوطني ببن عروس على إثر شكاية تقدم بها ضدي فتحي العيوني على خلفية تدوينة قمت فيها بنقد الخطاب السياسي العاجز على مجابهة خطاب الارهابيين وعلى تقديم خطاب بديل ينير السبيل أمام الشباب. وجاءت هذه التدوينة في سياق تزايد عمليات تسلل الإرهابيين من الجبال للسطو على المؤونة من المنازل ثم تطور الأمر إلى سرقة البنوك. وقد استشهدت في هذا الإطار بأحداث غزوة بدر كمثال لتفنيد مقولاتهم حيث تخاصم المقاتلون حول الغنيمة مما أغضب الرسول ونزلت معظم سورة الأنفال في ذلك وكانت شديدة اللهجة تجاههم. وقد قال الصحابي عبادة بن الصامت في هذا الموضوع حرفيا:» حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا» وهو ما يدل أن لا علاقة للغنيمة بالجهاد. وإن الإرهابيين مجرد قطاع طرق يتسترون بالدين ولهذا فإن ما كتبت لا يتعلق بالصحابة ولابغزوة بدر في حد ذاتها وإنما تتعلق بمعالجة الخطاب السياسي للأحداث التاريخية وبارتباطها بالوقائع الخطيرة الجارية».
وأضافت الأستاذة سلوى الشرفي: «بقطع النظر عن محتوى التدوينة التي هي عبارة عن ملخص موجز جدا لأعمال بحث أكاديمي بصدد الإعداد للطبع في مركز النشر الجامعي، فمن الخطير أن يجابه الرأي بالقضاء وأن نقبل اليوم بمحاكمات الرأي في تونس ما بعد الثورة مما فيه ضرب لحرية التعبير والحريات الأكاديمية... فالمسألة تتجاوز شخصي بل تتعلق بمبدإ وقضية ومكسب يجب الدفاع عنه حتى لا نعود إلى المربع الأول من الديكتاتورية والدمغة والدغمائية...».
عريضة مساندة لحرية التعبير
حصدت الأستاذة سلوى الشرفي مساندة واسعة على خلفية استدعائها للتحقيق بسبب تدوينة عبرت فيها عن رأيها في حدود اللياقة والأدب وفي رحاب الفكر والنقد... حيث تمّ تداول عريضة منددة بمثل هذا الإجراء في حق الباحثة والأكاديمية من أجل حماية حرية التعبير. وقد عبّر الممضون على العريضة عن «استنكارهم لهذا الإجراء العجيب» وأضافوا:» نعبّر عن استنكارنا الشديد لمحاكمات الرأي التي خلنا أنها ولّت دون رجعة. وما عودتها إلا دليل على عودة الدكتاتورية وخنق حرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا. ونؤكد رفضنا القاطع لتدخل السلطات الثلاث في الأعمال العلمية والبحوث الأكاديمية».
كما أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بيان مساندة للدكتورة سلوى الشرفي بعد أن استقبلها نقيب الصحفيين ناجي البغوري في مقر النقابة صباح الأمس غرة ماي 2019 تعبيرا عن تضامن النقابة مع الأستاذة سلوى الشرفي ودعمها لحرية التعبير في بلادنا..
وينص الفصل 31 من الدستور التونسي على «أن حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة»، فلا شك أن الساهرين على القانون مطالبون بأن يكونوا حماة هذه الحقوق والحريات حتى لا تحكمنا جميعا ثقافة القطيع.