بعد فوزه بجائزة الرواية في معرض الكتاب طارق الشيباني لـ «المغرب» : الكتابة شعرا أو نثرا هي ميدان الحلم بامتياز...

من القصة إلى الرواية إلى المقالة... ينتقل الكاتب طارق الشيباني برشاقة وخفة الفراشة وهو الذي تمّرس جيدا على ركوب صهوة

فرس اللغة والتلويح بسيف القلم في وجه العدم. فتنفجر ينابيع الكلمات على أوراقه خطاطيف ربيع وباقات زهور تصافح القرّاء بلا قفازات حتّى يعود إليه رجع الصدى في شكل أوسمة تتويج ودروع تكريم. فبعد أن فازت مجموعته قصصيّة «حكايات لا تهمّك» بجائزة معرض الكتاب على الدوعاجي للقصة القصيرة سنة 2018 مناصفة، أهدته روايته «للاّ السيدة...حكاية غيشا تونسيّة» عن دار زينب للنشر جائزة الرواية البشير الخريف في معرض تونس الدولي للكتاب لسنة 2019 .
وما بعد روايته البكر بعنوان «الحقد» وروايته الثانية «أنا... والشيطان والوطن» والتي ترشحت بدورها إلى القائمة القصيرة في مسابقة معرض الكتاب في دورته 33، تأتي ثالثة الأثافي في مسيرة طارق الشيباني الروائية لتحمل تسمية «للاّ السيدة» والتي تسرد حكاية إمرأة تتأرجح على حبل الحياة حتى يكون لها طوق نجاة من قدر لم تختره عن طواعية بل توّرطت فيه عنوة وكراهية... وتأتي هذه القصة النسوية والإنسانية في مناخات تونسية لتنطق بهموم كونية.
من تونس إلى ألمانيا حيث يقيم ويعمل ويدرس مادة الفلسفة بجامعة الملك لودفينغ، سافر إليه خبر تتويجه بجائزة البشير الخريف للرواية في معرض تونس الدولي للكتاب، فسافرنا نحن بدورنا إلى طارق الشيباني بأسئلتنا... فكان الحوار التالي:

• روايتك «للاّ السيدة» كانت جواز سفرك إلى منصة التتويج في معرض تونس الدولي للكتاب لتتربع على عرش جائزة البشير خريف للرواية...كيف صافحت هذه اللحظة بما رشحت به من نشوة الفوز.. هل كنت تتوّقع أنت تكون صاحب هذا اللقب في دورة 2019 ؟
في الحقيقة لم أتوقّع، أن تمنحني لجنة معرض الكتاب في تونس جائزة الرواية لسنة 2019 ولكنّ ذلك لم يمنعني طيلة الوقت من الحلم بهذا التتويج. كلّنا نكتب أو نرسم أو نمارس أيّ فنّ من الفنون وغايتنا الاساسيّة، أن تعجب أعمالنا الآخرين. وإذا ما اعتبرنا، أن ميدان الكتابة شعرا أو نثرا هو ميدان الحلم بامتياز، فأنا لم أتوقّف عن الحلم بفوز « للا السيدة» وتتويجها. ما أذكره، أنّه تمّ ترشيحي للقائمة القصيرة مع روايتين أخرتين، فأصبح الحلم قاب قوسين أو أدنى...ولكن لم يتوقّف توجّسي من المنافسة الصارمة للقلمين الآخرين الممتازين : صلاح البرقاوي عن روايته «كازما» وشفيق الطارقي عن روايته «بربرا».
فازت «للا السيدة» وتلقّيت الخبرعبر مهاتفة طريفة من أخي الصغير وجدي وهو يعلمني قائلا مستعملا المعجم الكُروي: «هزّينا البطولة...يا طارق...». كنت حينها مع جماعة من الاصدقاء والصديقات الألمان نستمتع ببعض الدفء الشحيح لشمس مونيخ الخجولة على ضفاف نهر «الإيزار»...قفزت الى الأعلى فرحا دون شعور منّي، كمن سجّل هدفا في شباك المرمى وانبرى أصدقائي يهنّئونني. ذلك كان إحساسي وكانت تلك مواصفات النشوة والفرح، التي عشتها وأنا أتلقى خبر تتويج روايتي وأختيارها من طرف لجنة معرض تونس الدولي للكتاب.

• في السنة الفارطة أهدتك «حكايات لاتهمّك» جائزة معرض الكتاب للقصة القصيرة، وفي هذه الدورة وهبتك روايتك «للاّ السيدة» جائزة الرواية... فهل تملك شفرات خاصة في الكتابة تمنحك الصدارة؟ هل تملك وصفة سحرية في مخاتلة الورق ومراوغة القلم؟
شرعت في كتابة «للا السيدة» في بداية 2010 تقريبا ولكنّي توقّفت عنها لأكتب رواية « أنا... والشيطان والوطن» التي ترشحت بدورها للقائمة القصيرة في جائزة معرض الكتاب لدورته 33 مع كلّ من أستاذي في كلية منوبة محمد الباردي رحمه الله، عن روايته «شارع مرسيليا» وأستاذ الفلسفة والكاتب العتيد كمال الزغباني عن روايته»ماكينة السعادة»، التي فازت بجائزة الرواية. عدت بعد ذلك لأستكمل رواية «للاّ السيدة» وكتبت فيها فصلا أو فصلين وفجأة داهمتني قصص «حكايات لا تهمّك»، فإنقطعت عن «السيدة المسكينة» ثانية. {يبدو أن هذه المرأة، جُبلت قصّة حياتها على العراقيل والصعوبات وحتى وهي ابنة الخيال، فالخيال نفسه شحيح معها}. المهم فازت مجموعة «حكايات لا تهمّك» مناصفة مع مجموعة «مذهلة» للأزهر الصحراوي بجائزة علي الدوعاجي للقصة القصيرة في معرض الكتاب في دورته 34. حين أتممت «للا السيدة» بعد ذلك، فرحت لأجلها وأرسلتها سريعا للناشر. بصراحة أن يفوز عمل آخر لي في نفس المسابقة، أمر إستبعدته ولكنّ شعورا خفيّا أصرّ عليّ كي أشارك بالكتاب مرّة أخرى. أذكر أن بعض المقرّبين منّي قالوا لي : «إنس الأمر... فزت في السنة الفارطة وليس لك مكان في هذه السنة...» كانت إجابتي : «المرة السابقة كانت في صنف القصة القصيرة... «للا السيدة» رواية. وفعلا إلتحق أخي بمقرّ إدارة الجائزة في يومها الأخير وسلّمهم النسخ وكلّ الوثائق المطلوبة، ليجيء التتويج المشرّف جدّا، بعد أسابيع من ذلك.
بالنسبة لسؤالك عن سرّ الوصفة السحرية، لمخاتلة الورق ومراوغة القلم، فليست لي إجابة...كل ما هنالك أنه عمل ممزوج بالمثابرة وبكثير من الخفّة والفرح، إستساغته لجنة التحكيم وتطابق مع ذائقتها، فمنحته التتويج.

• في «للاّ السيدة» منحت البطولة للمرأة لتكون هي القضيّة والمرآة التي تنعكس بعيونها صورة وطن تتقاذفه التحوّلات السياسية وتكبّله الأمراض الاجتماعية ... ماذا رأيت أن تقول على لسان «للاّ السيدة» التي كانت معلقة في مرتبة ما بين «ابنة الجحيم» وضحية الحياة؟
طبعا أنا لن أمتدح شخصيّة روائية أنا كاتبها، ففي ذلك نوع من الغرور لا أستسيغه ونحن في غنى عنه من الأساس. كلّ ما في الأمر، أن يكتب رجل عن إمرأة، فهو بديهة إختيار صعب وشائك. صعب من ناحية البنية النفسية وحتى الفيزيائية للفاعل السردي في الحكاية، فأنت كروائي رجل، سوف تفلت منك حتما بعض خيوط النسيج الدّقيقة والمهمّة كي تحوك قماشة الشخصية ـ المرأة. ولكن حسب رأيي كانت «للا السيدة» مجموعة من النساء، حاولت جمع قطع الفيسفاء، اللواتي يتشكّلن منها وتنسيقها في نوع من الحكي يجمع بين الاجتماعي والسياسي وخاصة التاريخي...هي في النهاية حكاية إمرأة ووطن يمتزج فيها الخيال ببعض الوقائع التاريخية ولكنّها بالأساس متخيّل سردي أردت تحميله وشحنه ببعض الأفكار والرؤى، المبنيّة على أحداث جدّت في الواقع وفي التاريخ.
وفي الأخير أن تكون السيدة ضحية، فهو أمر بديهي في وطن عربي، لا يزال بعد قرون طويلة، يتلمّس بصعوبة بالغة طريقه، ليحيا فيه الانسان بصفة عامة الحرية والكرامة... وليس فقط المرأة... أو لنقل المرأة بالذات.

• رغم أنك تعيش في ألمانيا، فإن رواياتك وكتاباتك تأتي تونسية لحما وشحما ومتوّرطة في لعبة هذا الوطن في معاملة أبنائه بتناقض ما بين الحنان والقسوة ... فإلى أي مدى توافق مقولة إميل سيوران «نحن لا نقيم في الوطن وإنما نقيم في اللغة»؟
في الرواية تقول السيدة، حين دعاها حبيبها كلاوس لتتعلّم اللغة الألمانية: «أن يدعوك شخص ما لتتعلّم لغته، فقد دعاك الى أن تقيم معه بداخله وفي داخل وطنه». هذا تقريبا يجيب على سؤالك. إقامتي في ألمانيا ليست إلاّ غرفة ثانية تضاف الى غرفة لغتي الاولى. ولعلّنا كلّنا في النهاية حين نسافر، فإنّ أوّل ما نضعه في حقائبنا مع ثيابنا هو لغتنا ووطنا. قد تكون كتاباتي قاسية في بعض الاحيان على أبناء وطني وفي أحيان أخرى حنونة، كما ذكرت...وذلك صحيح بدرجة كبيرة...ولكني أعتقد أنّه من الصعب على أيّ كاتب، أن يخرج عن عناصر هذه المعادلة سواء في شعره أو في نثره. شخص أو وطن لا أقسو عليه ولا أحنو عليه، فهذا له معنى واحد: أنّي لا أهتمّ له وبالتالي لا أحبّه.

• لمن يقرأ طارق الشيباني بنهم وحب سواء في تونس أو في العالم؟
بالنسبة للكتاب التونسيين، الذين أقرأ لهم ويعجبونني وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، أريد أن أقدّم توضيحا صغيرا ومهمّا على الاقل بالنسبة لي وهو انّ الاسماء، التي سوف أذكرها، هي أسماء جمعتني بها الصدف الحسنة أو سعيت أنا نفسي الى قراءتها. وهي في النهاية مسألة ذوقي أنا الخاص وتعود إلي وحدي بالنظر.
في السرد تأسرني كتابات حسن بن عثمان وابراهيم الدرغوثي وحسونة المصباحي وكمال الزغباني وطبعا غيرهم كثيرون.
في النثر والشعر معا، تعجبنـي كتابـات كمـــــال العيادي وعبد الرزاق المسعودي وفوزي السعيدي.
في الشعر تدوّخني قصائد الشاذلي القرواشي ومحمد الهادي الجزيري وكمال بوعجيلة والمرحومين رضا الجلالي والصغير أولاد أحمد وأيضا قصائد آدم فتحي...

بالنسبة للأدب العالمي، يعجبني في المقام الاول غارسيا ماركيز وميلان كونديرا وكافكا والادب الروسي بجميع أعلامه، كما تروقني كتابات مورافيا وإيكو والالماني باتريك زوسكيند...

• في تونس صار لنا «بيت للرواية» يفتح أبوابه للتجارب الإبداعية صباحا ومساء ... كيف ترى هذا المنجز؟
زرت بيت الرواية في شهر جوان 2018 مصحوبا بالصديق الحميم وزميل الدراسة في المعهد الثانوي المسرحي والممثل الشاذلي العرفاوي وهناك تعرّفت على مجموعة من الاشخاص الطيبين البشوشين الهادئين وتعرّفت بالاساس على الكاتبين الممتلئين بالحيويـــــة والنشاط ودفء المعاملة كمال الرياحي ومحمد لحباشة. بيت الرواية أمر مفرح وأتمنى له النجاح، حتى ننجح في النهاية في تقديم حكاية جميلة للعالم، رغم كل الصعوبات والعوائق.

• ما بعد  رواية «للاّ السيدة» هل من اجتراح لولادة جديدة على زند الكتابة ؟
بعد «للا السيّدة...حكاية جيشا تونسية» أكملت فعلا كتابة رواية ضخمة شيئا ما، تحمل عنوان «وطن في قاعة الانتظار» وقد أرسلتها للناشر وستكون في الاسواق قريبا. الرواية باختصار تدور أحداثها حول توأم وُلد في تونس. عاش في كنف نفس العائلة وتلقى نفس التربية وتلقى كذلك نفس الجرعة من الحب والقسوة، ليتحوّل أحدهما في النهاية إلى يساري والثاني الى إرهابي بعد الثورة. الرواية تجري أحداثها بين تونس وإيطاليا وهي تطرح سؤالا ولا تقدّم إجابة، كما هي عادة الحكاية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115