إلهي أعوذ بك الآن من شرّ أهلي...» كانت هذه الأبيات نفحات من الشعر والشعور نثرها شاعر تونس الكبير محمد الصغير أولاد أحمد في واحدة من أشهر قصائده لتبقى دليل إدانة في وجه سدنة معبد الظلام والظلامية ووصية من الشاعر إلى عشاق الجمال والحياة حتى يثأروا له من القتلة والجهلة... في الحياة والممات! وكأنه على علم بأن من أفتوا بهدر دمه في حياته سيظلون ينصبون له المشانق حتى في رحيله ويعبثون بحرمة الموت والقبر !
يوم 5 أفريل من سنة 2016 غادرنا محمد الصغير أولاد أحمد مودعا إيّانا وصيته الأخيرة وتونس الشاعرة التي أحبّها «صباحا ومساء ويوم الأحد» ولكن مسلسل الاعتداء على قبره وذكراه واسمه لم يعرف حلقته الأخيرة.
وهذه المرة كانت مقبرة الجلاز مسرح الجريمة ، حيث تم انتهاك حرمة قبر أولاد أحمد في ذنب لا يغتفر إن كان عن قصد ... أو حتى عن غير قصد.
لئن أكدت أرملة الشاعر الراحل زهور أولاد أحمد حادثة الاعتداء على ضريح أولاد أحمد بمقبرة الجلاز من خلال تهشيم شاهد القبر ليلة الأربعاء 27 مارس 2019، فإنها أبدت استغرابها واستنكارها لإعادة الكرّة في تخريب القبر صباح أمس في غياب الحراسة الكافية لمقبرة الجلاز التي تضم أضرحة شهداء تونس ومثقفيها ورموزها الوطنية.
وفي توضيح لوزارة الشؤون الثقافية، ورد ما يلي: «في إطار إعادة تهيئة وترميم عدد من القبور بإشراف بلدية تونس تم استهداف قصيد شعر كُتب على لوحة رخامية خارج الضريح الذي لم يتعرض لأي نوع من الأضرار.وإلى حين القيام بالأبحاث التي تبرز الأطراف المسؤولة عن الحادثة تذكر وزارة الشؤون الثقافية بأهمية احترام رموز البلاد من المثقفين الراحلين واحترام المقابر معتبرة أن كل اعتداء من هذا القبيل هو اعتداء على الشأن الثقافي عامة برموزه وشخصياته الاعتبارية واستهدافا لقيم الجمهورية».
وتأتي حادثة الاعتداء أياما قليلة قبل إحياء الذكرى الثالثة لرحيل محمد الصغير أولاد أحمد. وهي ليست المرّة الأولى التي يحارب فيها البعض الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد حتى بعد موته فقد سبق أن كشف لـ«المغرب» الأستاذ الهادي إسماعلي عن حادثة جدت يوم السبت 19 أوت 2016 تتمثل في رفض صاحب أهم مكتبة لبيع الكتب الثقافية في وسط مدينة القيروان التزود ولو بنسخة واحدة من كتابه النقدي «أولاد أحمد شاعر البلد» بحجة أن الشاعر «كافر» !؟
ومن القيروان إلى سيدي بوزيد ، لم تسلم مجرّد رخامة تحمل اسم الشاعر الصغير أولاد أحمد في مدرسة بقرية النوايل من معتمدية بئر الحفي بولاية سيدى بوزيد من التهشيم حيث أهوى بعض المستسلمين إلى الجهل والقابعين في ظلمة العصور القروسطية وانهالوا بسيوف التخلف على لافتة تحمل ذكرى «شاعر البلد».
رغم الغزاة ورغم الأعداء ، ورغم التشريد ورغم التقتيل ، ستظل قصائد أولاد أحمد عصية عن النسيان ومتمردة على الموت لأن أثرها لن يمحى كالوشم... ألم يقل شاعرنا الغائب الحاضر، فينا وبيننا:
الهي
سمعت تقاة يقولون عنك كلاما مخيفا
فحادَفــْـــتهم بالكتاب استوى حية
لدغــَــتهم جميعا وعادت كتابا
الهي العلي ألا يمكن القول إني نبيّ ؟؟