منذ ما يزيد عن 100 عام، كانت ولادة شاعر الخضراء الخالد أبي القاسم الشابي الذي علّم الإنسانية جمعاء «إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلا بد أن يستجيب القدر». وبمناسبة حلول الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد شاعر تونس الكبير سنة 2019، تنظم الجمعية التونسية للتنشيط الثقافي والسياحي الدورة الثانية للملتقى العربي لأدب الواحة والصحراء بتوزر تحت عنوان» البيئة الثقافية زمن الشابي» أيام 11 و 12 و13 و14 أفريل 2019.
تثمينا للأنماط الأدبية المرتبطة بالواحة والصحراء، تلتئم الدورة الثانية من الملتقى العربي لأدب الواحة والصحراء بتوزر من تنظيم الجمعية التونسية للتنشيط الثقافي والسياحي بالتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بتوزر ودعم وزارة الشؤون الثقافية بمشاركة عدد من المؤسسات الثقافية التونسية والعربية على غرار مؤسسة البابطين ومنظمة الألكسو مع مشاركة هامة لمعهد تونس للترجمة في تأثيث برنامج الدورة ودعم الملتقى.
الشابي ابن بيئة مخصوصة ومؤثرة
إذا كان الشاعر ابن بيئته منذ أن كان الشعر ديوان العرب في زمن الخيام والارتحال من موضع كلإ إلى آخر، تبقى هذه المعادلة صالحة إلى حدّ اليوم. فلا شك أن البارع في نظم القصيد والمبدع عموما لا يمكن له بأي حال من الأحوال الانسلاخ عن محيطه وسياقاته والانفلات من واجبه في ترجمه هموم مجتمعه وهواجس الإنسانية... ولم يكن شاعر الخضراء أبا القاسم الشابي ليبلغ ما بلغه من شهرة واسعة وصيت ذائع لولا درر شعره التي نطقت بقيم الوطنية وانسابت في رومنطقية وخاطبت الإنسانية...
وبعد أن «أثبتت عديد الدراسات أن حياة الشابي ومسيرته الشعرية ومواقفه وتكوينه من العناصر الأساسية التي ارتبطت ارتباطا موضوعيا ببيئته الثقافية المحلية والوطنية والعربية والعالمية، وبحركة الإصلاح والتحديث التي عرفتها تونس لا سيما خلال فترة العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي»، فقد ارتأى الملتقى العربي لأدب الواحة والصحراء بتوزر أن يهب منصة دورته الثانية لتتداول الكلمة حول تفكيك ملامح البيئة الثقافية زمن الشابي.
ندوة علمية تفكك تركيبة آثار الشابي
هي توزر موطن العلماء والأدباء وملهمة الشعراء وأرض التصوف والزهد... وهي الغانية الساحرة في جمالها ودلالها ما بين رقة واحاتها وسر صحرائها ... فلم يكن من الغريب أن تغري هذه المدينة الفاتنة الشاعر المرهف الحس والحواس أبا القاسم الشابي في نظم أبيات من الشعر سجلتها الذاكرة وحفظ ذكرها التاريخ. في بيئة ذاتية وخارجية مخصوصة نشأ الشابي وتشرّب من منابع الثقافة والمعرفة والوطنية... ومن منطلق هذه البيئة الثقافية زمن الشابي يتناول الملتقى العربي لأدب الواحة والصحراء بتوزر في دورته الثانية أثر هذا المحيط في بناء شخصية الشابي الفنية والفكرية.
وقد ورد في الورقة العلمية للملتقى ما يلي :» إذا كانت البيئة الثقافية هي دراسة تكيف الإنسان للبيئات في مختلف جوانبها فإن الشابي شاعرا وإنسانا جدير بأن يدرس في هذا الحيز الموضوعي بما أنه سليل أسرة مثقفة كانت الحاضنة الثقافية الأولى له . كما كان لمرحلة إقامته بتونس العاصمة أثر بالغ في تكوينه وبلورة مواقفه التجديدية وانحيازه إلى أعلام الإصلاح والنهضة الذين عصرهم ومنهم بالخصوص محمد البشروش ومحمد الحليوي ومصطفى خريف وعلي الدوعاجي وزين العابدين السنوسي ...وكما كانت البيئة الثقافية إبان فترة الثلاثينات من القرن الماضي الأكثر حراكا وتوقا إلى التجديد والتحرر الوطني. كانت البيئة العالمية أحد عناصر تكوينه من خلال تأثره بالحساسية الجديدة للشعر لاسيما في بعدها الرومانسي الثائر والعالمي الذي يتوق إلى تحرر الشعوب وتقرير مصيرها...».
ومن بين المداخلات التي ستناولها الدورة الثانية من الملتقى العربي لأدب الواحة والصحراء بتوزر في ندوتها العلمية: «تلقي شعر الشابي في اسبانيا وأمريكا اللاتينية من تقديم الدكتور رضا مامي عن معهد الترجمة و»رسوم البيئة الثقافية في رسائل الشابي ومذكراته» و»الشابي شاعر الوجدان»...
ولاشك أن شعر الشابي سيبقى حمّال أوجه متعددة لمقاربته من زوايا مختلفة... لأنه ببساطة شعر طافح بالحرية ودافق بالشاعرية.