في أيام الجهات القصرين ضيفة مدينة الثقافة: التاريخ يراقص الحاضر فتكون النتيجة الابداع والفنون

القصرين في مدينة الثقافة، القصرين ولاية الجمال والإبداع حلت ضيفة على العاصمة محملة بالتاريخ والحضارة والهوية مجسمة في

الموسيقى و الصناعات اليدوية و الحرف والفنون بمختلف تلويناتها، القصرين زينت المدينة واستغلت كل فضاءاتها لتقدم عينة عن تاريخ اغلبه منسي وإبداعات شبابية تنحت في صخور التهميش لتبدع وتقدم حقيقة الجهة الحالم شبابها بالحياة.

القصرين بكل معتمدياتها كانت في مدينة الثقافة، اريافها كانت جزءا من المشهد الابداعي مدنها التاريخية عرفت بتاريخ المكان ومدنها المميزة حادثت جمهور المدينة عن اسرار القصرين وسحرها عن شعب يعشق الحياة وسط اكوام من الوجيعة والتهميش والنسيان.

وقت الجبال تغني انصتوا
جبالنا صامدة وسكانها لا يعرفون اليأس، الجبال غنت وأهلها رددوا الصدى فكانت اهازيج للحياة للحب و المقاومة المستمرة، في بطحاء المسارح كان لقاء الجمهور مع عرض بسيط الروح وتلقائي الاداء، عرض مواطني بامتياز هو عرض سكان الوساعية سفح جبل سمامة، جاؤوا محملين بباقات الاكليل وحشائش الجبل، في قلب المركز غنوا للهامش قدموا لمحة عن حياة سكان الجبال ومقاوماتهم المستمرة للحفاظ على جبلهم بالاغاني بالقصبة والطبلة والرقص ورقصـــــات الجسد حتى كلت، رقصت الافكار وتساءل الزوار عن سر كل ذلك الجمال لتكون الاجابة هي «الحب» فهم يغنون بكل الحب و يتمسكون بجبلهم لأنهم يحبونه ويرددون اهازيج الجبال ليحيوا، في البطحاء كانت الاغاني شامخة شموخ جبال سمامة و السلوم والشعانبي، اغاني تعبر عن إرادة لا تنكسر، ارادة حياة تسكن مواطني الجبل المتمسكين به رغم نعيق الغربان السود، تمسكوا بالجبل تمسك «خالتي مباركة» نجمة العرض بتلقائيتها واقبالها على الحياة فغنت ورقصت وكانت مثل طفلة صغيرة تلاعب جديان الجبل.

غفران الصالحي مبدعة متميزة
المسرح تمرد، المسرح إبداع المسرح حب للنص و الحركة وإتقان للشخصية، وفي قاعة المبدعين الشبان ابدعت الطفلة غفران الصالحي في ادائها لمونولوغ «قرطاج» غفران الطفلة قدمت نصا بالعربية الفصحى جد ممتع، غفران الطفلة كان اداؤها ندا لأكبر الممثلات، كل حركة موزونة، النطق حسب الشخصية، غفران نقدت الخنوع و الظلامية والظلام، ببرنس اسود طويل وسلم صغير يكون ديكور المونولوج مع موسيقى تتماشى مع موضوع المونولوج، لكن قوة المونولوج كانت في تعابير وجه غفران الصالحي.
غفران الطفلة والمرأة المتمردة، غفران الوطن المصغر، غفران قرطاج الابية التي لا تعرف الخنوع، قرطاج التي تعرضت لحروب عديدة تقوم بعدها وان كثرت الجراح، غفران تونس التي لا تهزم، غفران جبال تونس المنيعة وأرضها الجميلة، على الركح اتقنت الممثلة الاداء برعت في تقديم المونولوج دون رهبة، برعت الطفلة في ايصال صورة عن ابداعات نساء الداخل قدمت افضل الصور عن سبيطلة وعما يقدمه فضاء منيرفا تياتر من تكوين مسرحي جيد لرواده وهي التي تعلمت أبجديات المسرح من والدتها الممثلة زينة مساهلي ووالدها الفنان المسرحي مقداد الصالحي فغفران شبل صغير من لبؤة المسرح بجهة سبيطلة، الطفلة الممثلة برعت في ايصال رسائل الصمود ونادت بالوحدة لحماية قرطاج، فقرطاج هنا هي الفكرة وليست المكان، في المونولوج كانت الممثلة الطفلة سيدة الركح وسيدة المسرح.

ابرات العالية للطيب الملايكي: شعب يرقص لا يهزم
تمازجت الالوان اختلفت النوتات الموسيقية، وحدها الأجساد تمردت من كل السائد وضربت الركح بقوة، اجساد الممثلين رقصت وكتبت ملحمة الحب و التمرد على ركح قاعة مسرح الجهات في اوبيرات عالية للمخرج الطيب الملايكي، جماليا كان العرض ممتعا جدا، انطلق من الميثيولوجيا الشعبية للجهة ليقدم لمحة تاريخية عن حياة القبائل وقصص الحب التي تولد لتموت بسبب العادات والمجتمع، عرض عبر عن قصص الحب والشجاعة وعصيان الباي والتمرد على قراراته بالموسيقى فلكل اغنية قصة تتعلق بحادثة تاريخية او قصة حب ما، الاغاني الشفوية التي تمثل جزءا اساسيا من ذاكرة القصرين هي تعبيرة عن فترة ما وأحداث عاشتها البلاد، احداث ووقائع عبروا عنها بالغناء، وهي جزء أساسي من التراث اللامادي الغني الذي تتميز به الجهة.

«وحش السرى» و«عيشة» و«لا من يجينا» اغان رسخت في الذاكرة تتداولها النسوة في كل الاحتفالات يرددنها دون عرفة اصل القصة او سبب قول كلمات الاغنية وفي العالية يصبح العرض كما كتاب تاريخ مفتوح ليفسر الاغنية وسبب قولها.
في اوبيرات عالية تكون المرأة محركة الاحداث فعالية شابة جميلة من احدى قبائل القصرين حسب العادات سيتم تزويجها من ابن عمها لكنها تعشق العايش الفارس الغريب لتتصاعد الاحداث إلى حد أنها تريد هجر قبيلتها مع حبيبها ، فالمرأة في العمل تكون صاحبة قرار لها القدرة على تحدي العادات والتقاليد لتكون مع من تحب، صورة عن قوتها وصمودها منذ الازل فهي كائن هلامي يصعب هزمه.

اوبيرات عالية اوبيرات قصرينية الروح والانجاز، عرض ينطلق من الذاكرة الجماعية لتلك الجهة، عرض يغوص في الذاكرة يدغدغها ينفض عن بعض أغانيها غبار النسيان ليقدمها شباب مقبل على الفنون يعاكسها حينا ويعاندها مرات لينجح ويبدع.

حين يكتب الامل والالم في عيون الاطفال
عيونهم ساحرة تحدثك عن الفقر والحرمان والتشوق الى كل الوان الفنون، تأمل العيون الملونة الجميلة و القصص التي تخبرك بها عيونهم سلاحهم و مطيتهم للحديث، عيون الاطفال كان مطية المسرحي بلال علوي لتقديم نبذة عن عطش ابناء الريف الى المسرح و الضحكة التي ترسمها «الماسكوت» على وجوههم لكل طفل حكاية، لكل منهم قصة ما لكن عيونهم اشتركت في نقل الوجيعة والحرمان، وفي بهو قاعة المبدعين الشبان كان هناك معرض صور فوتوغرافية انجزه المسرحيون في جولاتهم في ربوع القصرين تحديدا اريافها وقراها الحدودية، عدسة الكاميرا التقطت لحظات لقاء الاطفال مع الفن وكيفية تفاعلهم مع المادة المسرحية المقدمة، الصور تلخص حكايات الاطفال الصغار تلخص واقعهم وعطشهم إلى الأمل والفنون تقدم صبرهم وحبهم لكل جديد، عن المعرض كتب المسرحي بالدارجة التونسية «حكاية حلمة مزيانة زاهية ملونة بالوان الجبل والصحراء والبحر، حكاية خزرة حاشمة ولمعة في العنين معاها وقفة شامخة، حكاية فخر، حكاية صبر، وحكاية عز رغم الفقر، الحكاية ما توفاش وبرشة تفاصيل فيها ما تتحكاش خاطر تنجم كان تعيشها وتحسها» ومعرض عيون اطفل الريف يشعرك بوجود الكثير من الاطفال ينتظرون حقهم في الفنون، هناك الكثير من الاطفال العطاشى الى الابداع.

القصرين بكل تلويناتها
جاءت «القصرين» بكل رصيدها التاريخي والحضاري وثقلها الثقافي والفني لتقدم عروضا متنوعة انطلق من أمام المدخل الرئيسي لمدينة الثقافة المطل على شارع محمد الخامس بالفرق الاستعراضية من بينها الفرقة الجهوية للفنون الشعبية وفرقة عيساوية فريانة.
إيقاعات استوقفت العابرين في شارع محمد الخامس واستقطبت الكثير من الزوار الذين تجولوا بين أروقة قطب الأقطاب لاكتشاف كل ما يميز القصرين من أزياء تقليدية تمثل مختلف مناطق القصرين وصولا إلى معارض للفنون التشكيلية ولأعلام الجهة وإصداراتهم وآثارها وهي الولاية التي تضم ثلثي الآثار الرومانية الموجودة في تونس، وفيها أكبر لوحة موزاييك في العالم واسمها الجزر.

وفي البهو الرئيسي لقطب الأقطاب، تعرف الزوار على الصناعات التقليدية والحرف اليدوية التي تتميز بها ولاية القصرين من خلال معارض في النقش على الحجارة لرفيق العجمي، النقش على الرخام لعادل جملي، الأقفال التاريخية لعماد مورالي، الرسوم الحديدية ليامن العبدلي، إضافة إلى معرض صور منصف العوادي.

وقدمت ولاية القصرين أيضا معرضا لإصدارات كتابها، ونظمت حفل توقيع لآخر إصدارات ثلاثة من أبنائها المبدعين: «فوزية العلوي» ب»سيدة الخريف»، و»محمد الحيزي» بكتابه «نشيج السهو»، و»برهان يحياوي» بكتابه «كلاش طاير الكتاب الذي يقدم ملحمة القوة والصمود التي يخوضها الاهالي والقوات الامنية امام الفكر الارهابي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115