معرض الفنان علاء الدين عليبات في دار الثقافة المكناسي: أرسم لأحيا فالرسم كينونتي

إذا سمعت صوتاً بداخلك يقول «انك لا تستطيع الرسم» فهذا يعني ارسم سيصمت ذلك الصوت بداخلك للأبد»

هكذا يقول فان غوغ وبهذا الشعار يعمل الرسام علاء الدين عليبات الذي قدم معرضه التشكيلي في دار الثقافة المكناسي، معرض تضمن عشر لوحات لكل منها سرها وسحرها، لوحات تعبر عن حب الفنان للرسم وللبورتريه تحديدا لوحات هي جزء من هويته رسمها بكل حبه لمدينته وللمرأة.
في المعرض تعترضك كل ملامح الجمال فتغازلك وتدعوك إلى معانقة اللون في سينفونية الالوان التي تعزفها لوحات المبدع الشاب الذي يحول كل أبيض الى لوحة ساحرة ويبعث في الحيطان الصامتة لحن الحياة.

هن قبس الحياة والابداع
هن قبس الحياة والجمال، من رحمهن تولد تفاصيل الانسان ومن حبهن للحياة يولد عشقنا للجمال والابداع، من حبه لجدته ولدت اللوحة جميلة تسحر الزائر، ومن ايمانه بقدسية المرأة ولدت لوحات موشاة بأبهى الالوان، الوان تتفاعل مع تفاصيل الوجه لتصبح وكانها حقيقية تشدك للوقوف امامها طويلا ومعرفة سر جمالها والبحث عن خصوصياتها.
النساء سيدات المكان، سيدات اللوحات، كأن الألوان خلقت لرسم تفاصيلهن وكتابة اسرارهن على الورق الابيض في معرض للفنان الشاب علاء الدين عليبات الذي برع في رسم فن البورتريه إلى حد التطابق التام بين الحقيقة والرسم.

فن الصورة الشخصية، أو فن الصورة، أو فن الوجه، هو الفن الذي يتناول الوجه الإنساني مفرداً أو مع الصدر أو الجذع، للتعبير عن خصائص هذه الشخصية، أو التوثيق لها (لوحة الغنجة)، والتعريف بها وغير ذلك، لأن الغرض منها إظهار حالة تعبيرية إنسانية خاصة، كالحزن أو الفرح (لوحة المتاملة)، السمو (الغنجة)، الفقر أو الغنى ، الانطلاق (لوحة المرود) أو الانطواء (لوحة انتظار)، الحب أو الكره، الطيبة أو اللؤم، الحنان أو الحزم جميعها تفاصيل لحالات نفسية نجدها في اللوحات المعروضة لعلاء الدين عليبات.

البورتريه بكل تفاصيله ميزة اللوحات المخصصة للمرأة هذه «الغنجة» تدعوك لتاملها،وهي لوحة بالوان زيتية على القماش ستقف منبهرا امام جمال عينيها، تجاعيد الوجه لوحدها تكتب الياذة في الفن التشكيلي، لوحـــة ستدعوك لمعانقتها علك تشم رائحــة «السخاب والعنبـر» ستنسى كل الدروس النظرية في قراءة لوحة فنية لان الوانها تحاكيك تحاكي داخلك تدغدغ ركنا مظلما داخلك حتما ستتذكر كل الجدات اللواتي تعرفهن لتكتشف أن الغنجة سيدة المكان رسمها الفنان بكل الحب تتاملها طويلا ستلاحظ ارتعاشة اليد وكانها لحظات وجيعة الفنان وهو يرسمها، عيناها تخاطبانك تماما كما اراد الفنان مخاطبتهما ففن البورتريه في جزء منه ه انعكاس لذات الفنان «فنان الصورة الشخصية أو الوجه، لا بد لـه من أن يضع شيئاً من صورته الذاتية في ملامح النموذج المرسوم أو المنحوت، على هذا النحو أو ذاك، مما دفع بعض الفنانين والنقاد للقول، بأن الصورة الشخصية هي دوماً صورة الفنان مضافاً إليها صورة النموذج» كما جاء في «عالم المعرفة» فكيف بالفنان وهو يرسم جدته.

المرأة بكل تفاصيلها تكون عنوانا لرسومات البورتريه التي ابدع علاء الدين عليبات في خط تفاصيل الجمال وحياكة جزئيات وتفاصيل تعجز الكاميرا عن توثيقها احيانا، دع «الغنجة» تترشف كاس شايها وواصل الجولة فها هي امرأة بدوية تناديك هي الأخرى لتأمل جمالها الاخاذ عنوان للوحة «عبق الفيافي» لوحة كانها تجسيم لنساء الريف لوحة تحاكي المرأة الريفية في المكناسي وأريافها لوحة تماهت فيها الالوان الاحمر الداكن سيد اللوحة «احمر دم غزال» كما يسميه النسوة عقد اصفر اللون مع جرة بغطاء أزرق، ألوان أولية استعملها الفنان ليقدم صورة مطابقة للاصل للحقيقة فاللوحة تنقل صورة واقعية لامرأة بدوية من بساطتها صنع الفنان جمالها «عبق الفيافي» وهي لوحة بالوان زيتية على الورق المقوى اقتنها لجنة شراءات الفنون التشكيلية بإجماع كل اعضائها لجمالها الفني.

لوحة اخرى الوانها متناسقة وتفاصيل حركة الرسم متجانسة، اللوحة مستمدة من الواقع ايضا، بورتريه لامرأة بدوية الملمح لوحة زيتية على القماش سماها صاحبها «المرود» و المرود هو عادة ما يصنع من الخشب او النحاس تستعمله المرأة لتكحيل عينيها وصانعة «المرود» عادة ماتكون حرفية ماهرة مهارة علاء عليبات في رسم شخصياته.
هن قبس الجمال ولهن كل قداسة الجمال هكذا يرى علاء الدين عليبات المرأة في لوحاته ليرسمها بكل الحب فتبدو أجمل وتفاصيلها اكثر ابهارا.

رقصة الأبيض والأسود
راقص التانغو لا يرقص وحيدا مطلقا كذلك الابيض لا يحضر دون شقيقه الاسود ، لوحات عديدة غابت عنها الألوان فقط راقص الابيض الاسود لكتابة تفاصيل اللوحة، ومع الابيض والاسود يكون للضوء حضوره في الصورة لكتابة سيمفونية ضوئية ميزتها قليل من الاسود على الابيض الساحر، سيمفونية تكاد تسمعها وانت تتامل جمال اللوحة ودقة التفاصيل فهاهو عازف الساكسوفون يدعوك للاستمتاع بنوتاته، لوحة تشدك لتبحث عن أسرارها ودقة الرسم لوحة اسمها «مقام الوداع» مرسومة بقلم الرصاص بكل دقة، لوحة أخرى كأنها مناجاة لاوجاع الروح ربما كتب عبرها الفنان وجيعته وهواجسه في مدينة تاكل ابداعات ابنائها تدريجيا، ربما مخاوفه في وطن لا يعطي الفنان حقه وقدره عنوان اوحة «اللحن المستحيل» وهل هناك لحن مستحيل امام شباب يقدر على تحطيم كلمة المستحيل ليحلم ويسعى لتحقيق احلامه، وربما لان ميزة الفنان الامل والتشبث بكل تفاصيل الابداع نجده يقبل على رسم الاحصنة كثيرا فالحصان دوما رمز الشجاعة والجمال والصدق ولوحات علاء الدين عليبات صادقة في تناولها للواقع.

صديق الحيطان بامتياز
ساحرة هي الألوان مغرية الرسومات و الاشكال دقيقة الاحرف ومميزة هي تفاصيل كل لوحة، هنا دار الثقافة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد منذ السور الخارجي ستعانق تعاليم الجمال، السور الخارجي لوحده معرض للوحات ورسومات ابدع في كتابتها علاء الدين عليبات، رسومات اختلفت مواضيعها لكن جميعها تشترك في محورين اساسيين الوطن و المرأة ومنهما تتفرع بقية الرسومات، في الداخل زين الركح هو الاخر بأبهى الرسومات، فهاهي عازفة الكمان تدعوك لسماع أصوات مبدعي المكناسي وذاك يقرأ كتابا كأنه يتصفح تاريخ المدينة ويحاكيها وثالث فارس بكل جزئياته يذكر الزائر أن المكناسي مدينة الفروسية.
هنا المكناسي وفي رحابها فنان يعشق مدينته إلى حد تحويل جدرانها إلى رسومات فنية تبهر الزائر، لوحات يكتبها بدم القلب وحبر الروح لتكون ممتعة ومغرية، هنا المكناسي وفي رحابها فنان عاشق لمدينته محب لفنه يرسم وشعاره مقولة الشاعر الفلسطيني موسى شعيب:

«هنا باقون كالأَزَلِ
نشُدُّ جذورنا بجذورنا الأُوَلِ

نعانق شوكَ هذي الأرض بالمُقَلِ
ألم تُخلق سوى الأفواه للقُبَلِ؟

هنا باقون لن نَبَرْحْ
فهذي الريح موّال لنا يصدحْ

وهذا الحقل أطفال لنا تمرحْ
هنا باقون مثل الصخرِ لن نبرحْ»

وفي المكناسي فنان حافظ على هويته في لوحاته، فنان تمسك بمدينته رغم قساوتها وابتعادها عن المركز، اختار الهامش ليبدع ويرسم فكل حيطان المدينة تعرفه، هو صديقها وهو من يحول بياضها الوان ورسومات تغري بالزيارة، أعماله تجاوزت دار الثقافة الى «مركز تكوين الفتاة الريفية» و «المكتبة العمومية» وغيرها من الفضاءات فهو عاشق للون وبالوانه يكتب خلجات قلبه ويحول النبض الى لوحات فنية جميلة ودقيقة الرسم فهو العاشق الازلي للفن بالفن يحيا وبه يؤمن ويرسم الياذة الامل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115