وخض مغامراتك جميعها في الحياة حتّى تموت انسانا، قاوم دوما و ثر ازلا لتكن انت وتنقذ وطنك من الحكام الذين يسرقون الوطن و خيراته، قاوم فالاوطان تسرق لكن الحب للاوطان رغم تحالف الحكام مع الشيطان لم يسرق ولن يسرق.
هي دعوة صريحة للثورة والمقاومة تنبعث من على الرمح ليكون المسرح دوما متمردا وثائرا، دعوة للنهوض من السبات قدمها ثلة من الممثلين في مسرحية «زمان الفرسان» للمخرج حاتم حشيشة وتمثيل عيسى حرّاث و الأزهر بوعزيزي ومنصف الوكيل و علي عكاشة و نتيجة عزري وجميلة خنفير وأمير بن الأسود وطارق بوزيد.
و كوريغرافيا كلّ من إلياس التريكي وأمين الميلادي -وعمار الجباهي وأيوب عاشور وسينوغرافيا لصبري بوعزيزي وصوت لمحمد الحمامي وموظب الركح لخضر عبيد.
العنوان ميزته الشيفرات والرموز
بين تصريح وتلميح تكون الحكاية، بين جرأة في القول وكلمات صامتة من خلال لغة الجسد يوصل العمل العديد من الرسائل اهمها دعوة الانسان الى التمرد و الانتفاض ضدّ كل الوان الظلم والجبروت.
اسم المسرحية مكوّن من مفردتين «زمان الفرسان» المفردة الاولى للدلالة على الوقت والثانية صفة مشبهة للقوة و الشهامة، و زمان الفرسان تأتي هنا في خانة الاسترجاع والتحسّر كما تقول الذاكرة الجماعية فعادة ما تستهل الجدات حكاياتهنّ بالقول «زمان كذا» وبذلك يتحسر على زمن الشهامة والمروءة ونصرة المستضعف و يٌنتهج منهج تاريخي في العمل فالمسرحية وعاء تاريخي تذكرنا بانتصارات الاجداد وبطولات الحرية التي خاضوها وتعرّف بأناس دفعوا الكثير للوطن ولا يعرف الجيل الحالي قصههم على غرار «صيد عقارب».
زمن العمل زمان كانت الشهامة فيه عنوان المرحلة» في وقت من الاوقات في دنيا كبيرة، الحاكم في القصر منشغل بقضاياه الخاصة، في زمان الجوع والخوف و الظّلم، في زمان تراكم فيه الخوف ، «وقت الناس الكل تسمع ولا شكون يتكلم» المخرج هنا ترك الامتداد للزمن لم يحّده بعلامة تاريخية محددة ليصبح صالحا لكل زمن كثر فيه الظلم و التجبّر، و المكان ايضا يصلح ان يكون تونس او مصر او العراق أو أية دولة عربية اخرى يتجبّر فيه الحاكم و تظلم الرعية.
في تماهي اللون و الضوء والحركة دعوة صريحة للثورة
موسيقى خفيفة ترتفع تدريجيا لتصبح كما نوتات الحرب و صرخات المحاربين، صوت قوي يصمّ الاذان ويدفعك إلى الانتباه، على الركح أربعة ستائر ومجموعة من الحبال و للحبل رمزيته أيضا فهو وسيلة لشد الوثاق هو اداة لشنق الخارجين عن طوع الحكام وسيلة لإشعال النار وغيرها، ضوء اصفر خافت يصبح احمر تدريجيا كأنه ينتقل بالجمهور من قرية هادئة الى جوار المدينة حذو السلطان المتجبر و الاحمر يدلّ على الدماء هنا ، دماء الذين ضحوا بأرواحهم لافتداء تراب الوطن.
في زمان الفرسان، تصنع السينوغرافيا الحدث، السينوغرافيا بكل مكوناتها تعد علامة فارقة في العمل فهي تساعد الممثلين على النص و الاداء و تقدم صورة جميلة ومبهرة تندرج في خانة مسرح ما بعد الدراما وفي هذا السياق يتنزل زمان الفرسان، الضوء الاحمر يصبح أصفر قاتما لحظات الخوف، ليتحول الى ابيض لحظات السعادة فبلعبة الضوء وانعكاسها على الستائر السوداء ينقل المخرج انفعالات الشخصيات، بالضوء ينقل الاهة ويظهر الحرقة والخوف والشطّ والدم.
الموسيقى هي الاخرى احسنوا توظيفها فلكل مشهد موسيقاه ولكلّ حالة نفسية نوتاتها الخاصة، احيانا تكون مزلزلة كزلزلة الانتصارات ومرات موجعة وجيعة الهزائم.
في العمل للجسد سحره ولغته، كوريغرافيا بمثابة «تهوئة» وسط العرض للتقليل من حدّة النص و الحضور الدائم للمثلين من جهة و لتقديم العمل بلغة الجسد و التعبير عن تشنجات النفس وانكسارات الوطن بالجسد فوحده الجسد قادر على تحمّل كل تلك الشيفرات وتحويلها الى لغة بسيطة وسلسلة.
هل سيعود للاوطان عيدها؟
المسرح حياة، المسرح عملية خلق، المسرح نبش في الذاكرة الجماعية، الى الهناك الى تاريخ منسي يحملك حاتم حشيشة وامل المجموعة لنفض الغبار عن الذاكرة وعن حكايا ابطال لا نعرف قصصهم، بطل المسرحية هو « او اسحاق ابراهيم بن يعقوب بن فضل» عرف بالصيد لشدة شجاعته، عمل يغوص في ذاكرة صفاقس عموما وجهة عقارب تحديدا فبطل الحكاية وحسب المسرحية فارس مغوار تنقل من مكان الى اخر لنصرة المظلومين، شجاع لا يهاب قسوة السلطان يريد «ان اموت انسانا»، شخصية جسدها الازهر بوعزيزي، ابراهيم يكون بطل الملحمة، هو بطل الميثيولوجيا الشعبية فارس عاند السلطان وهزمه لإيمانه فقط بحرية الانسان.
المسرحية تعود الى التاريخ البعيد جدا لكنه تاريخ تقريبا يشبه الحاضر او هو ماض مغلف بمشاكل الراهن «نخلصوا كل شيء، يجي نهار ونخصلو الهواء الي نتفسوه» و «الناس الكل ساكتة والقلوب معبية» و «السلطان يحكم بالعسكر لكن ارادة الحياة اقوى» جمل تقولها شخصيات تاريخية لكنها تحمل هموم الراهن وكأننا بالمخرج يقول ان لكن زمان سياسي متجبّر سياتي «ابراهيم ما» ليخلّص الناس من جبروته لانّ الحاكم يمكنه سرقة كلّ شيء يسرق الوطن وخيراته، يتحالف مع الشيطان، يسرق الفرحة و الدمعة والسعادة وارواح الناس لكنه عاجز عن سرقة حبنا لأوطاننا.
زمان الفرسان مسرحية جريئة، ناقدة ولاذعة تطبق كل دروس المسرح و الفرجة، تجمع السخرية السوداء بكلمات موجعة، تضحك المتفرج وتبعث داخله الف سؤال، عمل يؤمن بالوطن لا السلطان، يدعو الى الرقي بالإنسان لا الحكّام نصه الجريء يؤكد أنه: إذا الشعب يوما أراد الحياة فحتما لا بدّ ان تعود للوطن الأعياد.