إلى ساحة وفي حقيبته لافتات مختلفة التسميات: «مدن الفنون» و«مدن الحضارات» و «مدن الآداب والكتاب»... يبدو أن زاد الوزير من هذه الشعارات والعناوين البّراقة قد نفد وانتهت المهمة.
فلم تغيّر «مدن الفنون» من المدن شيئا من عبثها وكآبتها واستسلامها لقدرها...وسرعان ما حنّت «ساحات الفنون» إلى أمسها القريب فلم تلبث أن عادت من جديد إلى «موقف سيارات» أو مقبرة لفوضى المهملات...أما «مدن الحضارات» فلم تنصف لا التراث ولا الآثار بل زاد وجه المعالم تجاعيد وأرهق الطريق المؤدي إلى المواقع تعاريج... وفي «مدن الآداب والكتاب» قد تحضر كل أصناف «قلّة الأدب» إلاّ الكتب !
بعد أن انتهت «موضة» وسم الولايات والمعتمديات بـمدن كذا وكذا ... أتى الدور هذه المرة على «الأيّام» وصار الوزير من مناسبة إلى أخرى يعلن عن بعث «أيام قرطاج» لهذا الفن وذاك. وقد كانت تونس طيلة عقود وسنوات تتزيّن كالعروس لاستقبال أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية وأيام قرطاج الموسيقية وفجأة انفجر التعداد «الفني» للأيام دفعة واحدة خلال أشهر قليلة لتتناسل الأيام بسرعة البرق ! فأصبح لنا أيام قرطاج الشعرية وأيام قرطاج الكوريغرافية وأيام قرطاج للفن المعاصر وأيام قرطاج لفن العرائس وأيام قرطاج لأدب المهجر وأخيرا أعلن الوزير في الساعات الأخيرة عن بعث أيام قرطاج لفن الخزف. فهل تم الاستعداد جيدا لهذه «الطفرة» من التظاهرات الجديدة التي تستوجب كلّها على أهميتها تحضيرا لوجستيا وتتطلب ميزانية تحترم القيمة الفنية والثقافية التي تختزلها كل هذه الفنون؟ ألا يمكن أن تسرق هذه التظاهرات من بعضها البعض الاهتمام والأضواء إن ضربت العشوائية توقيتها ومواعيدها؟
إن كان دافع سلطة الإشراف هو الاستجابة لمطالب أهل القطاعات الفنية الملحة منذ سنوات بأيام خاصة بكل الفنون على غرار السينما والمسرح فيا حبّذا ! أما إن كان الوزير يسارع بالإعلان عن بعث هذه «الأيام» الجديدة إشباعا لرغبة دفينة في أن يرتبط اسمه بالتأسيس وأن يقترن ذكره بترضية كل الأطراف... فتلك قصّة أخرى !