وهي التي غنّت لمحمود درويش :
»أَثر الفراشة لا يُرَى،أَثر الفراشة لا يزولُ...هو جاذبيّةُ غامض يستدرج المعنى، ويرحل حين يتّضح السبيلُ...هو خفَّةُ الأبديِّ في اليوميّ، أشواق إلى أَعلى وإشراقٌ جميل.» وريم البنا كانت كبذور البنفسج
التي لا تموت!
لأن الحياة في عيونها الجميلة ليست سوى «رحلة خرقاء... والتالي هو الأجمل»، فقد لملمت ريم البنا أغنياتها في كيس من الياسمين وداست المرض والوجع في انتقام وانتصار وحلّقت بجناحي حمامة بيضاء في السماء.
قبل تسع سنوات أصيبت ريم البنا بسرطان الثدي فلم تستسلم و ظلت تقاوم وتقاوم وهي التي علمتها فلسطين أن المقاومة هي شرف البقاء... فسخرت من المرض وهزئت من الموت إلى آخر رمق من الحياة. ومن آخر كلماتها قبل الوداع الأخير ، كتبت ريم البنا:»بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي... فكان علي أن أخترع سيناريو ...فقلت…لا تخافوا... هذا الجسد كقميص رثّ... لا يدوم..حين أخلعه ..سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق ..وأترك الجنازة وخراريف العزاء عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام … مراقبة الأخريات الداخلات .. والروائح المحتقنة …وسأجري كغزالة إلى بيتي …سأطهو وجبة عشاء طيبة ..سأرتب البيت وأشعل الشموع… وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة ..أجلس مع فنجان الميرمية ..أرقب مرج ابن عامر..وأقول .. هذه الحياة جميلة..والموت كالتاريخ ..فصل مزيّف.»
كم كانت أرض فلسطين محظوظة وقد أنجبت من رحمها ريم البنا عام 1966 لتصبح واحدة من رموز النضال فكانت صوت القضية ووردة «الناصرة» ويمامة القدس... في كل تفاصيلها تتجلى فلسطين وهي التي ورثت عنها الجمال الآخاذ والشموخ الأبيّ والثوب التقليدي والكوفية الثائرة...
وبعد أن غنّت لفلسطين ولأسرى الاحتلال والأطفال واللاجئين... ليس بالكثير على ريم البنا أن تحصل على لقب سفيرة السلام بإيطاليا سنة 1994 وأن يقع اختيارها شخصية العام سنة 1997 وأن تفوز بجائزة ابن رشد للفكر الحر سنة 2013 وأن تتوّج شخصية العام الثقافية الفلسطينية عام 2016.
ولأن وصيتها كانت إلينا : «وحدهم أحبّتي من حولي لا يتذمرون، وحدهم أحبّتي لا يفقدون الأمل ويكلّون.. وأنا بين حدّ سيفين.. في غيبوبة التأمل أتدرب على نهاية ساخرة.» فلم نبكي رحيل ريم البنا بل سنغنّي للمقاومة والنضال والإنسان... من أجل ميلاد فجر جديد.