المفكر هشام جعيط: يؤلمني النكران... ويحزّ في نفسي جحود الجامعة التونسية

ثمانون سنة أو أكثر في عمر رجل الفكر هشام جعيط لم ترهق فيه ملكة النقد ورغبة البحث وهو المسكون بالشك والسؤال والمهووس بالعلم والمعرفة...

بعد أن قضى أكثر من نصف قرن في مساءلة التاريخ وتعقب الهوية وتشريح أزمة الثقافة العربية الإسلامية وتحليل القضايا الحضارية حصد المفكر والمؤرخ هشام جعيط ثمرة هذا الجهد والتعب باستحقاقه لعدد من الجوائز منها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها العاشرة عام 2007، وجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية الدورة العاشرة 2006، والجائزة الوطنية التونسية للعلوم الإنسانية 1989... كما اختارته المؤسسة العربية للدراسات والنشر الشخصية الثقافية لسنة 2016. فهل أوفت تونس مفكرها اللامع وعلمها البارز حقه من الوفاء والاعتراف والعرفان؟
احتضن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، يوم الجمعة 2 فيفري 2018 حفل توقيع كتاب «جدل الهوية والتاريخ، قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط». وقد تخلل هذا الحفل لقاء مفتوح مع المفكر هشام جعيط ومؤلفي هذا الكتاب حول فكر هشام جعيط.

«جدل الهوية والتاريخ» في فكر هشام جعيط
بكثير من الامتنان أثنى الدكتور هشام جعيط على بادرة العرفان لفكره والاعتراف بمكانته العلمية من خلال إصدار كتاب «جدل الهوية والتاريخ، قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط». وفي هذا السياق صرّح المفكر هشام جعيط بالقول: «سعادتي لا توصف وفرحي لا حدود له بصدور هذا الكتاب الذي يعكس اهتمام الجامعيين والأكاديميين التونسيين بكتاباتي الفكرية ودراساتي التاريخية التي امتدت على 50 سنة ليتناولوا جزءا منها بالقراءة والتحليل ... وقد قرأت هذا الكتاب الجماعي لمرتين وأعتبره جيّدا».

وقد صدر كتاب «جدل الهوية والتاريخ، قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط» عن دار سوتيميديا للنشر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس. ويعتبر هذا الأثر أوّل كتاب من تأليف أكاديميين تونسيين حول إصدارات وبحوث المفكر والمؤرخ التونسي هشام جعيط.
ويضم الكتاب عشرة بحوث قدم جلّها في اليوم الدراسي الذي خصص لتكريم المسيرة العلمية للأستاذ هشام جعيط بمناسبة ذكرى عيد ميلاده الثمانين التي انتظمت في شهر ماي 2016 بتونس. وقد ساهم في كتاب «جدل الهوية والتاريخ» كل من: 
د إدريس جباري، د حمادي المسعودي، د فتحي التريكي، د عبد الحميد الفهري، د لطفي بن ميلاد، د لطفي عيسى، د.محمد بن محمد الخراط، د محمد حسن، د محمد الصحبي العلاني، د نبيل خلدون قريسة. أما التصدير فجاء بإمضاء الدكتور مهدي مبروك.
وقد خلص أصحاب البحوث التي توّزعت على مجالات عديدة تناولت بالقراءة والتحليل والنقد إسهامات الدكتور هشام جعيط في الدارسات التاريخية والمقاربات الفكرية إلى أن «الخيط الناظم ظل بائنا في كل ما قدم لعل أهم أماراته أن الرجل ظل، في جل ما كتب، يسائل التاريخ و الراهن معا إذ ثمة استمرارية ما ظلت تنسج الأحداث والوقائع الكبرى. فالرجل على خلاف

العديد لا يطمئن إلى مقولات القطيعة النهائية في التاريخ بل يعتقد أن هناك محطات فاصلة وجهت تاريخ العرب ولا زالت وقد يعود البعض منها إلى فترة الإسلام المبكر وتحديدا تلك العلاقة الملتبسة بين الإسلام والسياسة».
لم تكتف هذه القراءات في كتاب «جدل الهوية والتاريخ، قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط» بما أنتج هذا المفكر «بل ساءلت السياقات التي كتب فيها الرجل ناهيك عما يكون دار من جدل حاد هو أشبه بنزاع القراءات والتأويلات حول وقائع هامة وأحداث عظام رسمت ملامح تاريخ العرب وحاضرهم المفتوح على غيره من الأمم والحضارات».

هشام جعيط ما بين الاعتراف والتجاهل
بكثير من العتاب والوجع تحدث الدكتور هشام جعيط عن تجاهل الجامعة التونسية لفكره وبحوثه وآثاره قائلا: «قد لا تسعني عبارات الشكر لأنوّه بمجهود كل المؤلفين والناشرين الذين تحملوا وزر إصدار كتاب «جدل الهوية والتاريخ، قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط»، في المقابل يؤلمني النكران ويوجعني جحود الجامعة التونسية التي درست فيها حوالي 30 سنة ومنها انطلقت أبحاثي التاريخية... إلا أن المؤسسة الجامعية لم تقم ولو بمجرد القراءة لما كتبت سواء في الفكر أو التاريخ في الوقت الذي اهتمت فيه الصحافة والهياكل الثقافية والحكام على غرار بورقيبة بكتبي وإصداراتي... ومن باب الأمانة والنزاهة لابد من التوضيح أن جامعات تونسية رحبت بي واحتفت بأعمالي على غرار جامعتي سوسة وصفاقس... إلا أن تجاهل جامعة تونس بالخصوص لفكري وشخصي يثير عجبي وألمي... وعلى كل حال لست بالأوّل ولن أكون بالأخير الذي يلاقي بدل العرفان النكران على مرّ التاريخ والحضارات».

وعن ثنائية النكران والعرفان، واصل الدكتور هشام جعيط الحديث فقال: «كنت دائما أنتظر أن تصدر دراسات نقدية عن كتبي وبحوثي... وكنت أعزّي نفسي بأن لي قراء كثر في العالم العربي. وفي سنة 2011 صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية بالمغرب كتاب «التاريخ والتقدم- دراسات في أعمال هشام جعيط» على هامش الندوة الفكرية التي انعقدت لتكريمي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء. أما في تونس فقد اهتم أحدهم بكتبي فانصرف إلى التنقيب فيها والتدقيق في سطورها لكن للأسف لم تكن كتاباته عن آثاري بالنقد العلمي أو البحث الأكاديمي بل كانت أقرب إلى التهجم العنيف بلا مبرّر!».

مسألة الهويات سيتجاوزها الزمن
لأن هدفه هو «إعادة كتابة السيرة النبوية بطريقة علمية مغايرة لكل السّير التي كُتبت قديما وحديثا»، فقد اشتهر الدكتور هشام جعيط بثلاثيته التي تناولت السيرة النبوية. كما احتلت الشخصية العربية الإسلامية في سياق التاريخ والهوية حيّزا هاما من فكره وعمره...
وفي هذا السياق، يقول المفكر «هشام جعيط»: اهتممت في بحوثي التاريخية بالسيرة النبوية من وجهة نظر علمية وتاريخية وأعتبر أن الهوية العربية هي إسلامية أيضا وليس عربية محضة. وفي كتاباتي الفكرية اعتبرت أن الدخول في الحداثة لا يمكن أن يكون إلا عن طريق البحث العلمي».
وعن جدل الهوية والتاريخ في فكر هشام جعيط يذهب صاحب» أزمة الثقافة الإسلامية» إلى مايلي:»نعيش توترا فلسفيا مابين الهوية والتاريخ وهذا الإشكال ناجم عن صدمة الحداثة. واليوم أعتبر أن الفكر الفلسفي والعلوم الإنسانية عموما سيكون مصيرها الزوال في العالم بأسره في ظل استفحال التكنولوجيات الحديثة وعصر الآلة والامبريالية الاقتصادية وسلطة الميديا...هناك تخوّف على زوال البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية وحتى في الفيزياء مقابل تطور العلوم البيولوجية وكل ما يخص المناخ. وفي عصر غلبة «الآنية» وانتفاء الحدود والمسافات بين قارات العالم فحتى مسألة الهويات سيتجاوزها الزمن في مستقبل الأيام. أما عنّي فإني أعتبر نفسي من أبناء القرن 20 وليس القرن 21 ».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115