صداها أروقة المحاكم وهو الذي يتهم معهد باستور بالتورط مع وزارة الدفاع الأمريكية وأكبر مخبر أدوية إسرائيلي في استغلال أطفال تونسيين من سيدي بوزيد وقفصة والقيروان كفئران مخبرية لمرهم يعالج المرض الجلدي «اللشمانيا».
بعد أن رفع معهد باستور قضية ضد فيلم «هل يصنع القتلة الدواء؟» بحجة «تشويه السمعة» كما رفع الطبيب شكري مقطوف الأمر إلى القضاء لإيقاف هذه التجارب المستغلة للأطفال والمخترقة للقانون... جاء قرار المحكمة الإدارية مؤخرا منصفا لدعوى الدكتور شكري مقطوف ضد معهد باستور.
أطفال تونس فئران تجارب !
«هل يصنع القتلة الدواء؟» هو فيلم وثائقي جمع بين عدسة السينما والتحقيق الاستقصائي في تتبّع خيوط «جريمة» كان ضحيتها أطفال تونس من قرى الولايات الداخلية التونسية. تقول المخرجة إيمان بن حسين:» تعود حكاية الفيلم إلى حرب الخليج، وتحديدا عندما أصيب الجنود الأمريكان بمرض جلدي لم يوجد له دواء، وبما أن القانون الفيدرالي الأمريكي يمنع التجارب على الجنود، فقد كلّف البنتاغون أكبر مخبر إسرائيلي يدعى «تيفا» لإعداد دواء تجريبي قصد إيجاد علاج لهذا المرض...فقام معهد باستور في تونس باستغلال أطفالنا كفئران تجارب بالرغم من أن القانون التونسي يمنع إجراء التجارب على القصّر.وقد تمت هذه الجريمة بمنطقة الجنوب التونسي أين خضع أطفال مصابون بمرض «اللشمانيا» إلى تجارب عبر مرهم جديد تم تحضيره بأكبر مخبر أدوية إسرائيلي ومتكون من مواد خطيرة مقابل مبلغ مالي قدره 50 دينارا يتسلمه كل من خضع للتجربة أو كل من أقنعوه لحاجيات مادية بأن يكون فأر تجربة».
وقد عرض الفيلم الوثائقي «هل يصنع القتلة الدواء؟» في 17 ديسمبر 2016 على شاشة قناة الجزيرة الوثائقية موجها أصابع الاتهام إلى معهد باستور بدعوى تعامله مع البنتاغون ومخبر اسرائيلي في استغلال أطفال تونسيين كفئران تجارب من سنة 2002 إلى سنة 2014
معهد باستور يستنكر وينفي..
كان النفي والاتهام بـ» التلاعب والتركيب والتوجيه في طريقة تناول المعطيات» هو رد معهد باستور بتونس على ما جاء من شهادات ومعطيات في الفيلم الوثائقي «هل يصنع القتلة الدواء؟». وقد اتهم المعهد المخرجة إيمان بن حسين بـ «تنفيذ أجندة خفية تهدف لتشويه سمعة المعهد وطبيعة البحوث العلمية المتعلقة بتطوير دواء ضد مرض اللشمانيا الجلدي». وعلى إثر بث فيلم «هل يصنع القتلة الدواء؟» عقد المدير العام لمعهد باستور الدكتور الهاشمي ندوة صحفية قال فيها إن «الاتهام بالتعامل مع وزارة الدفاع الأمريكية والبنتاغون الأمريكي وقال إن التعامل كان مع باحثين أمريكيين في إطار التعاون الدولي العلمي وليس بالصورة المذكورة». وبخصوص التعامل مع مخبر إسرائيلي قال إن «المرهم لم يتم تسجيله بعد تحت أي مخبر. في المقابل تمت عملية طلب عروض فاز بها معهد تيفا بواشنطن لتصنيع عدد محدود من الأدوية تبين فيما بعد أنها فرع للشركة الأم الموجودة في إسرائيل.»
وشدد المدير العام معهد باستور على أن المتطوعين لم يتلقوا من المعهد أي مقابل باستثناء 50 دينارا بعنوان مصاريف التنقل.
المحكمة الإدارية تنصف الفيلم
بعد أن بلغ فيلم «هل يصنع القتلة الدواء؟» للمخرجة إيمان بن حسين أروقة المحاكم في قضية وقضية مضادة حيث اشتكى معهد باستور إلى القضاء من جهة كما قدم فريق الفيلم قضية في الموضوع من جهة أخرى، يبدو أن قرار القضاء جاء منصفا للسينما الوثائقية في فيلم «هل يصنع القتلة الدواء»؟
بعد أن رفع الدكتور بمعهد باستور شكري مقطوف والذي أدلى بشهادته في الفيلم قضية ضد معهد باستور، أصدرت الدائرة الابتدائية الأولى بالمحكمة الإدارية بتاريخ 14 جويلية 2017 حكمها في القضية المذكورة لصالح الدعوى وذلك بإلغاء قرار رفض وزارة الصحة التدخل لمنع هذه التجارب المخالفة للقانون وللتراتيب النافذة.
وفي تصريح لـ«المغرب» أفاد القاضي الإداري ورئيس وحدة الاتصال والإعلام بالمحكمة الإدارية عماد الغابري أن هذا الطبيب كان قد تقدم بجملة من القضايا لدى المحكمة الإدارية يتعلق بعضها على غرار القضية عدد 123780 بالطعن في رفض وزارة الصحة العمومية إيقاف تجارب لأدوية جديدة بخصوص مرض «اللشمانيا الجلدية» على أطفال بمناطق داخلية بالجمهورية التونسية .
وقد استند المُدّعِي إلى عدم مطابقة هذه التجارب للإجراءات القانونية والإدارية المعتمدة في تونس وخاصة للنصوص المتعلقة بضبط كيفية التجارب الطبية والعلمية للأدوية المعدة للطب البشري ( الأمر عدد 1401 لسنة 1990 المؤرخ في 3 سبتمبر 1990والمنقح بالنصوص اللاحقة له).كما استند المدعي في دعواه إلى مخالفة التجارب المذكورة للمواثيق الدولية المنطبقة في هذا الخصوص(إعلان هلسنكي).
وفي هذا السياق صرّحت المخرجة إيمان بن حسين لـ»المغرب» بالقول:»لاشك أن إنصاف القضاء لنا ردّ الاعتبار لي شخصيا بعد موجة الهرسلة والتهديدات منذ انطلاق التصوير إلى ما بعد بث الفيلم . وكل الفضل للدكتور شكري مقطوف الذي دفعه حسه الوطني العالي وضميره المهني إلى إكمال المشوار إلى النهاية بعد أن تخلي عنا المحامون الذين أعلنوا عن دعمهم لنا في البداية مقابل إصرار عدد من المحامين الأجانب من أمريكا وبريطانيا على رفع القضية إلى محكمة الجنائية الدولية لنصرة أطفال جهاتنا الداخلية من ضحايا موت الإنسانية وحتى لا يستهين أي كان بتونس وشعبها وأطفالها بعد الآن».