الكاتب بن محمد أصيل مدينة دوز وفاعل جمعوي حيث يرأس جمعية جمانة لحماية الآثار وعضو بجمعية الصم فضلا عن انخراطه في العمل النقابي منذ كان طالبا ضمن الاتحاد العام لطلبة تونس ..وقد صدّر المؤلف كتابه بـ».. ما أكتبُه ليس استنباطا، ولا بدعة،بل جرأة لذكر المستتر ممّا يجول في العقول والخواطر ضمن مجتمع أوغل في الرّياء والتخفّي..كلّ ما أكتبُ عادة ما يُحكى ويُروى، ويناقش ، لكن في الخفاء والظلماء وخلف الحيطان وتحت الرّتم وفي الميضاء..هم ينكرونه في العلن ويشتمون من يُمارسه سلبا وإيجابا، ذكرا وأنثى ، فكرا وسلوكا..وفي الأثناء يُمنّون النفس بفعل ما يلعنون ، وممارسة ما ينقدون جنسا وخمرا ، غشا وزورا.. لن ألعنكم لأني جزء منكم ، لكنني أنكر نُكرانكم لذواتكم ، وافضح خيانتكم لعقولكم .. وأسعى إلى إشاعة النور على ما تُخفون، طورا بالكتابة في الكرّاس أو النات وغالبا في المواعيد والمجالس..».. «حدثني العيفة قال» أثر أدبي ورغم حداثة إصداره حظي بقراءات توزّعت بين العاشقة والنقدية، حيث بادرت مؤخرا جمعية البديل الثقافي بدوز وفرع اتحاد الكتاب التونسيين بقبلي بحفل توقيع هذا الكتاب بدار المسرح بدوز وتضمن مداخلة للأستاذ زبير بالطيب بعنوان «حدثني العيفة قال ، طرافة الطرح ونبل المعنى» ..
مداخلة الأستاذ الباحث بلقاسم بن جابر عنونها بـ «السخرية أداة لمقاومة «الهمنتش» او ثورة «العيفة الحكيم» وانطلقت من رؤية ، الناقد الاردني فوزي غيشان الذي يرى أن الكتابة الساخرة فعل اجتماعي بالضرورة، لأن السخرية، كانت أول سلاح يستخدمه الشعب لمقاومة المحتل والغاصب والظالم والفاسد ويصفها بأنها «سيف الروح الوطنية الذي يمتشقه الكاتب ليعيد الأشياء إلى أحجامها الطبيعية ويفقع بالونات البروباغاندا، ويطهر الأمكنة من فسادها ويعيد المسؤول إلى وضعه البشري، بعد أن اصطنع هالة من الوهم والقداسة المزيفة حول ذاته..والكتابة الساخرة منغرسة في التاريخ البشري وحسبك أن أول رواية كاملة وصلتنا هي رواية ساخرة كتبها الامازيغي التونسي ابوليوس وهي الحمار الذهبي ،وفي تراثنا العربي أثار باذخة ساخرة انسربت في جميع الاجناس الفنية وكذا حضرت السخرية في العصر الحديث في الاقصوصة والمسرحية الكوميدية والدراما والمقال الصحفي ..
نص يُعيد ترتيب القيم المتهاوية وينتصر لقيمة الإنسان..
إن كتاب «حدثني العيفة قال « متمرد على الاجناسية النمطية مثل كل ادب نابع من التجريب والمغامرة فهو ‘نص جامع» يدمج انواع الكتابة الساخرة مستخدما الموروث الشعبي وحكايات القرية والشارع باسلوب تمتزج فيه الفكاهة بالجد وهذا هو الشرط الاساسي والاول لتحقيق أهداف الكتابة العميقة، والانطباع الاول لقارئ الكتاب المتفحص يدرك انه امتداد أصيل لكتابات تونسية يمتد بعضها الى ثلاثينات القرن ففي أعطافه اصوات الجزيري وبيرم التونسي وكتاب المقال الساخر في الصحف الهزلية التونسية ، ولكن «للعيفة «خصوصيات يمكن أن نرصدها في المرجعية البدوية، المشارب الثقافية المتنوعة، التوظيف المعجمي للغريب والوحشي ممن الالفاظ والبراعة في النحت والتشقيق، تمازج الفنون داخل النسيج الحِكائي ( المثل –الشعر-التعبيرات الشعبية-النادرة-التوليد الجناسي والسجعي- التاريخ-التراجم- السيرة الذاتية ،تنويع اللغة( لغة البادية-العامية المتداولة- العربية الفصيحة-العربية)..
إن هذه الخصوصيات التي صنعت فنية النص وفرادته لا تخفي أن الشخصية المحورية عانت من سلطة الكاتب الذي غيب قدرتها على الفعل الحكائي والسردي والنقدي وتطورها في نسيج النص فالعيفة ليس كأبي الفتح الاسكندري وأبي زيد السروجي بطلي مقامات الهمذاني والحريري يتجلى ويختفي بل يظهر ويغيب تماما وان كان ظله حاضرا بالغياب.. ليخلُص بن جابر إلى ان هذا الكتاب جدير بكل احتفاء ونص بارع يعيد ترتيب القيم المتهاوية وينتصر لقيمة الانسان الجوهرية ذلك المحب للحياة والفن والجمال والطهارة والمرأة ذلك الإنسان الذي ليس ملاكا متعففا ولا شيطانا مريدا انه مجذوب يخرق المكان والزمان ونديم منتش بخمرة الحسّ والرّوح وبدوي صائل ومثقف اصيل وناقد لمن يحارب هذا الإنسان لصنع الزيف والنفاق والدنس أن العيفة يثور على «الهمنتش» الديني والاجتماعي والثقافي والسياسي والفني ..