فخار سجنان على طريق الشهرة العالمية: «نساء الطين» فنانات بالسليقة ومبدعات بالفطرة...

تراب وماء وهواء ونار، هي سرّ وجود فخار سجنان كما هي عناصر الطبيعة الأربعة. بعيدا عن ضجيج المدن وصخب العواصم، هناك حيث لا أفق غير أفق السماء الممتد إلى ما لا نهاية... تولد الحكايات عن نساء

مبدعات برعن في التنقيب عن مادة الطين في رحم الأرض لتتحوّل بين أناملهن الخلاّقة إلى فن فطري وإبداع تلقائي ... ولأن «نساء الطين» في سجنان هنّ فنانات من طينة خاصة فهمت جديرات بالسعي إلى إدراج صنعتهن المتفردة وموهبتهن الاستثنائية ضمن قائمة التراث العالمي.

لم يتعلمن في مدارس الفنون ولم يصقلن موهبتهن على أيدي المختصين... بل كانت لهن الطبيعة خير ملهم ومعلم، منها يكون استمداد الأشكال واستيحاء الألوان...وهكذا تجلت غريزة الموهبة وفنّ الفطرة في أنامل «نساء الطين» في سجنان.

100 ألف دينار لحرفيات سجنان
في سجنان، تلك القرية الجبلية في جغرافيا ولاية بنزرت، كانت ولادة نساء جبلن على إبداع التحف من الطين وتوارثن إتقان حرفة الفخار ... فكن ربات الخلق لعرائس من طين تجاوزت شهرتها حدود البلاد ومثلت مصدر إلهام لكبار المخرجين والفنانين... ولكن وبالرغم من الجهد الشاق في استخراج مادة الطين من باطن الأرض ثم تحويلها إلى تحف وعرائس وأشكال وإتمام زينتها وألوانها فإن نساء سجنان لا يحصلن من وراء هذه الحرفة سوى على مقابل متواضع ومبالغ زهيدة لا تضاهي أبدا رحلة الإجهاد والتعب في تحويل الطين إلى إبداع ناطق وجمال أخاذّ...وفي هذا السياق، تحرّكت مؤخرا وزارة الشؤون الثقافية لتعلن عن دعم صنعة نساء سجنان ضمن البرنامج الوطني للثقافة «مدن الفنون». إذ تم إمضاء اتفاقية بين المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية والمجلس الجهوي ببنزرت تقضي بتمكين حرفيات سجنان من اعتمادات قدرها 100 ألف دينار من أجل مرونة أكبر ونفاذ أوسع في عرض منتوجاتهن في قطاع الفخار التقليدي دعما لهذه الحرفة المتفردة وحفاظا عليها من الاندثار.

من المحلية إلى التراث العالمي
ليس فخار سجنان مجرد مهنة بسيطة لنساء هذه القرية الجبلية من أجل تحصيل لقمة العيش وحفظ ماء الوجه ... بل هو آية من آيات الإبداع التلقائي والغريزي في خلق الأشكال ومزج الألوان ومحاكاة الطبيعة... وقد مثلت عرائس الطين بسجنان أوّل ملف في التراث اللامادي يقع الاشتغال على ترشيحه إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي لما يحمله من خصائص تاريخية واجتماعية وفنية.

وإن تم الاتفاق منذ فترة إدارة الفنانة سنيا مبارك لوزارة الثقافة على العمل على تسجيل المعارف التقليدية المتعلّقة بعرائس الطّين ضمن قائمة التّراث العالمي لليونسكو فهل ستسرع وزارة الإشراف الخطى في إلحاق عرائس الطين بسجنان بلائحة التراث العالمي لتسجل تونس حضورها لأول مرّة في سجل التراث الحيّ؟

وأمام تخلف تونس عن تسجيل تراثها اللامادي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو بالرغم من الثراء الكبير والموروث الخصب في مجال التراث «الحيّ» فإن بلدان عديدة وخصوصا بلدان المغرب العربي على غرار المغرب والجزائر وموريتانيا قد سبقت تونس بأشواط في تسجيل أكثر من عنصر في قائمة اليونسكو... وهو ما يستدعي التحرك العاجل لحفظ التراث اللامادي من الاندثار والانصهار في قوالب العولمة وتنميط الهوية.

في سنة 2016 تم الانطلاق الرسمي في عملية الجرد الوطني لعناصر التراث الثّقافي غير المادي باعتبار أن الجرد هو أحد أهم آليات المحافظة على هذه العناصر كما أنّه يمثّل المرحلة الأساسية التي ستخول للوزارة

المضي قدما في عملية تسجيل مكونات هذا الموروث الحضاري ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. فهل سيتم الإفصاح قريبا عن مدى التقدم في هذا المشروع حتى لا يكون مصيره التباطؤ والإهمال؟

وإن كانت في تونس، مظاهر كثيرة وتجليات عديدة للتراث الحي المتفرد من حرف يدوية وألعاب شعبية وموسيقى بدوية وأكلات ووصفات غذائية... فهي في حاجة إلى نفض الغبار عنها والتعريف بها على أوسع نطاق حتى تتحرّر من المحلية الضيقة وتعانق العالمية مما من شأنه أن يشجع السياحة ويدعم الثقافة ويوّثق لحضارة قرطاج على مرّ التاريخ والأجيال ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115